التكامل بين تونس ومصر هو ما يسعى إليه الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارته التي تبدأ اليوم إلى جمهورية مصر العربية، وهو أمر قد يحصل في قادم الأيام إذا استقرت الأوضاع الأمنية والسياسية في دولة ليبيا الشقيقة، فلكلا الطرفين مصلحة كبرى في هذا الاستقرار. و إن كان للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي و لحركة النهضة المناهضين لنظام عبد الفتاح السيسي رأي مختلف يدفع إلى عزل تونس في محيطها الإقليمي و الدولي.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
على الرغم من أن تونس تحتفل اليوم الجمعة 9 أفريل 2021 بعيد الشهداء إلا أن الرئيس التونسي قيس سعيد ارتأى أن يقوم في هذه الذكرى بزيارة إلى جمهورية مصر العربية، زيارة قد تنبري بعض الأقلام للتعليق عليها بسخرية وتهكم، فكيف برئيس يغادر بلده في عيد وطني مثل عيد الشهداء، ولكنها زيارة قد نفهم منها السياق السياسي والزمني الذي يتطلب وقوعها في هذا الوقت، فهي إلى جانب ذلك تعدّ تحديا كبيرا له لأنها تأتي في وقت تعارض فيه أحزاب تونسية التعامل مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتعتبره نظاما دكتاتوريا لا ينبغي التواصل معه بأي حال من الأحوال خاصة بعد أحداث رابعة في 2013 وتسببه في موت الرئيس الراحل محمد مرسي.
المنصف المرزوقي و قادة النهضة ينتقدون زيارة السيسي إلى مصر
لقد عبر عن هذا الموقف صراحة رئيس تونس الأول بعد الثورة السيد المنصف المرزوقي حيث اعتقد أن نظام السيسي نظام مجرم يرسخ الدكتاتورية بعد أن قضى على النظام الديمقراطي الذي كان سائدا قبلئذ في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي لذلك لا ينبغي التواصل معه بأي شكل من الأشكال.
من الأحزاب التي تعارض النظام المصري الحالي، حركة النهضة ذات الاتجاه الإسلامي، فهي تعتبر السيسي عدوّ الله وعدوّ الديمقراطية، فهل تغيرت الظروف اليوم وتبدّل موقف هذه الحركة ومن يشايعها في الرأي، أم أن المصلحة اقتضت التواصل مع هذا النظام الذي كان شيطانا في وقت ما وأصبح ملائكيا في وقت آخر. من الواضح أن حركة النهضة و إن كانت في السلطة لم تغير موقفها من نظام السيسي و قد انبرى عدد من قادتها ينتقدون زيارة الرئيس سعيد إلى مصر و كأن تونس في موقع يسمح لها بقطع علاقاتها الديبلوماسة بالقوى الإقليمية والدولية والإنكفاء على نفسها في حالة من… العزلة الثورية البائسة.
ولا شك أن هذه الزيارة تأتي في ظل متغيرات إقليمية ودولية فرضت واقعا جديدا ورأى خلاله الرئيس التونسي أن المرحلة القادمة تقتضي التواصل مع الأشقاء لبلورة رؤى جديدة تخدم المنطقة برُمّتها، فجمهورية مصر العربية دولة لها وزنها في العالم كله ولا يمكن تجاهل ذلك بأي حال من الأحوال مهما كان من يحكمها، وبالتالي فإن التواصل مع هذا البلد استدعته الظروف الحالية التي تمر بها دولة ليبيا الشقيقة، وهي الدولة التي تقع جغرافيّا بين مصر وتونس، وتتّصل بطرفيها الشرقي بمصر والغربي بتونس لذلك ينبغي أن تكون تونس ومصر متناغمتين على هذا المستوى ولا تعتري علاقتهما أي سوء تفاهم، ولا يشوبها أيّ خلاف، فمن مصلحة تونس ومصر أن تنتعش الحركة الاقتصادية في ليبيا ليستفيد منها البلدان، ومن مصلحتهما أن تكون ليبيا مستقرّة وآمنة ليتم التكتّل الاقتصادي بين الدول الثلاث، ومن مصلحتهما أن يكون هناك توافق سياسي بين البلدين لينعم العاملون المصريون والتونسيون في ليبيا بالتوافق في الرؤى والسياسات.
وعلى هذا تأتي هذه الزيارة لتزيل كل غبش وكل غبار كان يغطي صفو العلاقات بين البلدين وتؤسس لعلاقة جديدة بين الدولتين تقوم على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وتأتي كذلك لتهدئة الخواطر والشارعين التونسي والمصري وتغيير نبرات الخطاب في فئة كانت تناهض النظام المصري الحالي وتنبري أخرى إلى البحث عن سبل للتقارب من أجل إنعاش الاقتصاد التونسي والمصري اللذين يشهدان صعوبات كبيرة في السيطرة على غضب الشارعين لعدم قدرة المواطن التونسي والمواطن المصري على مواجهة متطلبات الحياة من غلاء المعيشة والبطالة وفقدان التوازن العائلي، وكل ذلك يمكن أن يصحّح مسار الحياة في مستقبل الأيام إذا ما سعت القيادتان إلى تغيير بوصلة العلاقات من علاقات ايديولوجية بحتة إلى علاقات سياسية واقتصادية معمقة، فلا النظام التونسي وصيّ على النظام المصري ولا النظام المصري وصيّ على النظام التونسي، فلكل نظامٍ شعبٌ يمكنه أن يحاسب رئيسه عبر صناديق الاقتراع ولا يتدخل أي منهما في شؤون غيره.
التكامل بين تونس ومصر مطلوب
أعتقد أن التكامل بين تونس ومصر هو ما يسعى إليه الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارته اليوم إلى جمهورية مصر العربية، وهو أمر قد يحصل في قادم الأيام إذا استقرت الأوضاع الأمنية والسياسية في دولة ليبيا الشقيقة، فلكلا الطرفين مصلحة كبرى في هذا الاستقرار وبالتالي يمكن إعادة التماسك من جديد وإنعاش الحركة الاقتصادية والثقافية بين البلدين الشقيقين، كما يحرص الرئيس التونسي على أن تكون هذه الزيارة ناجحة من خلال ما يقدّمه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وما يأخذ منه السيد قيس سعيد أيضا في المقابل مع اتحاد الطرفين في الوصول إلى الهدف المشترك، وطالما كانت العلاقات التونسية المصرية متينة ومزدهرة خلال الفترات الماضية عزّزها التبادل الاقتصادي والسياحي والفني والثقافي، ومن ثم يمكن لتونس أن تستفيد من هذه العلاقات بعيدا عن أي مناوشات من هنا وهناك، لأن الوضع حساس ودقيق ولأن الظروف اليوم تقتضي من الطرفين أن يكونا على قدر المسؤولية من أجل الشعبين الشقيقين المصري والتونسي، ونأمل أن تسفر هذه الزيارة عن اتفاقيات مشتركة يستفيد منها الشعبان على المديين القريب والبعيد.
شارك رأيك