قال رئيس الجمهورية قيس سعيّد في كلمة ألقاها بجامع الزيتونة ليلة بداية شهر رمضان «إنّ التونسيين مسلمون وليسوا إسلاميين»؛ وأضاف أنّ «الله يقول في كتابه إنّ النبي إبراهيم كان مسلما وليس إسلاميا ونحن سنقف أمام الله كمسلمين». وطبعا، كان كلام الرئيس موجها إلى من نافق من أهل الإسلام خدمة لمآربهم الخاصة. لهذا رحّب يه كل من رأى فيه الانتصار للحرية ضد الظلاميين. لئن لم يخف قيس سعيّد قصده في موقفه ممن يفسد الإسلام، إذ يؤكد أنّ «هناك مناورة كبرى في وقتنا هذا وعملية مقصود منها تفريق المجتمع وتقسيمه»، فإنه سكت عن المهم إذ لم يبيّن لنا تعريفه للإسلام وللمسلمين الذين جعلهم مفسدة الدين الحنيف. فما هو الإسلام الصحيح عندك يا سيادة الرئيس؟
بقلم فرحات عثمان *
هل الإسلام ما نراه إلى اليوم، بما في ذلك عهدكم، من تشبث برؤيا مادية أكل عليها الدهر وشرب للإعلان عن بداية رمضان؟ و ما نعيشه من فرض مباشر وغير مباشر للصيام في شهره بينما جعل الله لمن لا يطيقونه حرية الإفطار بالكفارة؟ وهل مسلم بحق، أي من ليس إسلاميا حسب تفصيلكم، من يرفض الإقرار بالمساواة كاملة بين الذكر والأنثى في دين بيّن أنها لا بد أن تكون تامة وشرع في ذاك المسعى بأن أعلى من قدر المرأة وأقرّ لها نصيبا بينما من لم يكن لها في زمن البعثة أي نصيب ولا قدرا؟ وهلمّ جرّا من المواضيع المسكوت عنها والتي لا فرق في فهمها المتزمّت بين المسلمين والمتزمّتين.
الوصول للأمن الشامل بين الديانات السماوية
و إبراهيم الذي كان مسلما، هل كان آخذا بشعائر الإسلام؟ ألم يكن أيضا يهوديا ومسيحيا بما أنه جد أهل التوحيد طرّا؟ فكيف، لأسباب سياسية بحتة، لا نسعى لكلمة السواء بين الديانات السماوية لأجل الوصول للأمن الشامل بينها في كل ما أفسدته السياسة وذلك بالتذكير بضرورة العودة للقانون وإعلاء المشروعية لا قولا فقط بل عملا بدون شعارات ليس فيها إلا الإقصاء المبدئي كما هو الأمر بخصوص القضية الفلسطينية، ممّن لا يخدم حق الشعب الفلسطيني المشروع بل يسعى دون علم في ركاب استراتيجية كل من يرفض هذا الحق عاملا على دوام الحال الراهنة التي ليس فيها إلا تواصل رفض الحق المشروع لشعب مظلوم في أرضه وفي دولة ذات سيادة، رغم أن القانون الدولي اعترف بها كتوأم للدولة العبرية حسب بطاقة ميلادها ومقتضياتها؟
لهذا، سيادة الرئيس، لا نوافقكم الرأي في أننا مسلمون وكفى. فالإسلام سياسة دينية ودين سياسي بالمعنى الأصيل لكلمة سياسة، أي حسن تدبير المدينة الفاضلة؛ وطبعا لا يتجلى ذلك في هذه السياسوية التي تنددون بها دون ذكر أهلها، كما ليست هي الإسلاموية التي نجدها حتى عند المسلمين، لا الإسلاميين فقط.
الإسلام دين حقوق وحريات لجميع أهله
إن الإسلام دين حقوق وحريات لجميع أهله على مختلف مشاربهم؛ فالمسلمون، أولا وآخرا، من حسنت نيته. إنهم أصحاب مكارم الأخلاق الذين يحرصون على المثل الأسنى في كل شيء وكل يوم، بل كل ثانية من حياتهم، بما أنّهم يسعون لأفضل التصرف لأجل الله الذي يراهم، وهو الوحيد الذي يثمن كسبهم هذا، فيثيبه أو يعاقبهم إن لم يصفح إن شاء وأراد.
لذا قيل، وإن لم يكن القيل حديثا، أن المسلم من سلم الناس من يده ولسانه إذ هو السلام على نفسه وغيره، لا الحرب التي أصبحنا نراها باسم دين أتى رحمة للعالمين؛ ولهذا، دعوت إلى التأكيد على صفة السلام للإسلام بوضع مطّة بين الهمزة والسين وفتح هذه الأخيرة، هكذا: إ-سَـــلاَم، إذ المسلم الصحيح هو الذي يسلم أمره كله لخالقه الرحمان الرحيم، فهو المسلم السلام لأخذه بالإسلام السلام.
وبالتالي، أقول إنّ المسلمين بحق إ-سَــلاَميون، بفتح السين، لا فقط مسلمون! وهذا ما علينا لا الحديث فيه فحسب، بل الفعل لأجل تغيير ما فسد في هذا الدين وإعادة رونه الذي فقده فأصبح غربة وفي ظلام وظلامة رغم ما كان فيه من تنويرية إذ أتى للعالمين بحقوق وحريات لم يعد منها فيه اليوم ولا نقيرا!
* ديبلوماسي سابق و كاتب.
شارك رأيك