تحت إشراف وزير الشؤون الثقافية بالنيابة السيد الحبيب عمّار انطلقت أمس الأحد 18 أفريل 2021 فعاليات الدورة 30 لشهر التراث ليتواصل إلى غاية 18 ماي 2021.
شهر التراث أصبح “تظاهرة سنوية” تحتفي بها وزارة الشؤون الثقافية سنويا في الفترة الممتدة بين 18 افريل و 18 ماي … موعدان يوافقان اليوم العالمي للمواقع والمعالم و اليوم العالمي للمتاحف وجرت العادة على ان يحتضن أحد المواقع الاثرية يوم الافتتاح على أن تنتظم فعاليات الاختتام بأحد المتاحف الوطنية او الجهوية.
ويعد شهر التراث من أكبر التظاهرات الوطنية التي تسلط الضوء على التراث من زوايا مختلفة بناء على محور يقع اختياره بالتنسيق بين وزارة الشؤون الثقافية و المؤسسات التراثية الراجعة لها بالنظر ،هذا و يتم تشريك كافة الادارات المركزية و الجهوية من خلال مساهمتها في اقتراح انشطة و برامج ثقافية لتثمين المخزون التراثي المحلي و الجهوي و التعريف به بالتعاون مع الجمعيات ومكونات المجتمع المدني.
لمحة عن تاريخ شهر التراث
يعود تاريخ أحداث اول دورة الى سنة 1991 حيث دأبت وزارة الشؤون الثقافية على احياء هذه التظاهرة سنويا منذ ذلك التاريخ وفي نفس الموعد وتتزامن السنة الجارية مع ثلاثينية تظاهرة شهر التراث هذا وتجدر الاشارة ان الاحتفال الوطني بشهر التراث وقع الغاؤه في مناسبتين الاولى في 2011 مع اندلاع أحداث الثورة والثانية في 2020 بعد قرار الحظر الصحي الشامل نتيجة جائحة كورونا وتم على اثر ذلك الاقتصار على بث محاضرات و حلقات عن بعد وزيارات افتراضية للمتاحف و المواقع و عرض اشرطة وثائقية تعرف بمختلف عناصر تراثنا الوطني باعتماد النت. و يعكس محور شهر التراث عموما التوجهات العامة للوزارة في مجال التراث حيث تقع المراوحة في اختيار المحاور بين المحافظة و الإحياء و تثمين التراث بشقيه المادي و غير المادي و التوجهات العامة للدولة على غرار دفع الاستثمار و تشريك الخواص والسلط الجهوية و المحلية ومكونات المجتمع المدني في ادارة التراث و استغلاله في اطار الحوكمة المحلية.
شعار الدورة “تراثنا رأس مالنا”
ينضوي شعار شهر التراث لهذه السنة تحت عنوان ” تراثنا… رأس مالنا” ولعل هذا الاختيار يمثل نقلة نوعية تغاير شعارات الدورات السابقة لعدة اعتبارات أهمها مواكبة الذوق العام عموما والذوق الشبابي خصوصا، حيث أن استعمال لغة سلسة وسليمة قريبة من مختلف الأوساط الاجتماعية هو في حد ذاته نقلة في الاتصال والتواصل مع الناشئة ومختلف الشرائح العمرية والاجتماعية فضلا عن ذلك يعزز هذا الاختيار مبدأ دمقرطة الثقافة وتقريبها من المواطن باعتبار ان شعار الدورة “تراثنا… رأسمالنا” هو دعوة ضمنية لتشريك الأفراد ومكونات المجتمع المدني ومؤسساته في تحمل مسؤولية صون إرثها الثقافي والحضاري والحفاظ عليه وحسن توظيفه في ظل ما تعيشه المجتمعات المعاصرة من تحديات في مواجهة تيارات العولمة النمطية الإقصائية بالإضافة الى ما آل اليه الوضع الصحي العالمي نتيجة جائحة كورونا والذي عمق بدوره ظاهرة العزل الاجتماعي وخلق أنماط وسلوكيات حياتية جديدة تتمحور في جملتها حول الابحار على النت او البحث في العالم الافتراضي عن بدائل للترفيه والتعلم.
إن هدفنا من خلال هذه الدورة هو إلقاء الضوء أكثر على مفهوم التراث الثقافي كنتاج انساني متراكم لعصارة الفكر والقيم والمعارف والمهارات التي خلفنا لها أسلافنا والتي صهرت الهوية الثقافية للبلاد و موقعتها في المشهد الثقافي الكوني. من هذا المنطلق يكون التراث ”راس المال البشري” الموروث الذي لا يمثل مجرد شاهدا من شواهد التاريخ المتكلسة والمحنطة في الماضي بل تراثا حيا متجددا يمكن توظيفه وتثمينه واستثماره كمصدر من مصادر خلق الثروة الوطنية وانتعاش الاقتصاد الوطني.
إن شعار هذه السنة “تراثنا… راس مالنا”هو منطلق للإبداع والخلق يعكس علاقة الاقاليم والجهات بتراثها المحلي والجهوي فضلا عن كونه يعطي حرية اختيار معالجة المسائل التراثية في شتى جوانبها و بمقاربات مختلفة (محافظة وإحياء وتثمينا واستثمارا) ، هذا وستكون البيئة الإلكترونية في ظل جائحة كورونا رهانا لترويج التراث الثقافي عبر الاستعمال الإبداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإنشاء المحتوى الثقافي المطلوب والذي ما انفك يزداد اهمية يوما بعد يوم ،هذا بالإضافة الى تحفيز و تشجيع المواطنين والفاعلين الثقافيين على المشاركة في الشأن الثقافي و تقريب التراث أكثر ما يمكن من المستثمرين و الأوساط الشبابية خاصة.
على اثر مستجدات الوضع الصحي
نظرا للوضع الصحي الذي فرضه انتشار وباء كورونا المستجد و حرصا على سلامة الجميع و تطبيق البروتوكول الصحي ارتأت الوزارة تنظيم هذا الموعد الثقافي عبر الفضاء الرقمي الافتراضي، حيث كان من المقرر تنظيم فعاليات افتتاح ثلاثينية شهر التراث بموقع أوذنة الاثري، لما يتميز به من فرادة اثرية و طبيعية بالتزامن مع فصل الربيع. تكتسي المعالم الاثرية بالموقع في هذا الفصل جمالا يعكس تاريخها العريق و وظائفها الاصيلة داخل المدن الرومانية. إضافة الى خصائص الموقع، أرادت الوزارة تثمين مجهودات مؤسساتها المرجعية في مجال التراث من خلال مزيد التعريف بالموقع وإبراز مكامنه التراثية بناءا على ماتم الكشف عنه خلال الحفريات والبحوث الأثرية وأعمال الترميم و التهيئة التي شهدها الموقع خصوصا في التسعينات. وكللت الأشغال الميدانية باستخراج بعض المعالم الرمزية لنموذج المدينة الرومانية، على غرار معبد الكابتول، المسرح المدرج، الحمامات العمومية و غيرها.
وفي سياق متصل سيتم تدشين مركز استقبال للزوار في اطار تثمين الموقع و حسن توظيفه.
برمجة ثرية”عن بعد ” تحت شعار شهر التراث لسنة 2021 “تراثنا… راس مالنا” تقدّم وكالة إحياء التّراث والتّنمية الثّقافية برنامجا ثريّا تحت عنوان “تراثنا واحد ومتنوّع” يشمل سلسلة من المحاضرات التّفاعلية المباشرة عن بعد يؤمنها عدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين المختصين في التّراث المادّي وغير المادّي والجمعيات النّاشطة في مجال التّراث. كما سيتم عرض زيارات افتراضيّة للمتاحف والمواقع و اشرطة وثائقيّة تعرف بمختلف عناصر تراثنا الوطنيّ. و في نفس الاطار سيفتح المجال أمام المبدعين بمختلف اختصاصاتهم الثّقافية للتّعريف بأعمالهم الفنية الإبداعية طيلة المناسبة.
شارك رأيك