لماذا لم تُلغ هذه السنة احتفالات اليهود بكنيس الغريبة لأنها يمكن أن تسبب كارثة صحية في جزيرة جربة؟ ألم نعتبر من الهند التي سمحت لشعبها أن يحتفل بطقوسه البوذية فسبب ذلك كارثة صحية لا قِبل لها، وها هي اليوم تعاني الأمرّين في سبيل الدفاع عن شعبها وغير قادرة على احتواء هذا الفيروس، فمَن لجربة غدًا حينما تعاني ويصاب أهلها وتصبح موبوءة كما حدث لها في الموجة الأولى، إننا نحمّل رئاسة الحكومة تدهور الحالة الصحية ومن ثم الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وما تواصل التجمعات الدينية في هذا الوقت الحرج إلا ضربة موجعة ومؤلمة جدا في حق الشعب التونسي لما لها من آثار سيئة في قادم الأيام.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
في الوقت الذي تحرص فيه الحكومة التونسية أن يكون الشعب على دراية كبيرة وإحاطة تامة بالوضع الصحي الكارثي الذي وصل حدّا يوصف بالخطير، فقامت بإصدار تحذيرات وتعليمات للجهات المعنية بتطبيق الحظر الصحي الشامل وفرض الحجر الصحي على الوافدين إلى تونس عبر المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية نرى تساهلًا في محطات أخرى نستغربها، فرئيس الحكومة السيد هشام المشيشي في جزيرة جربة اليوم الحمعة 30 أفريل 2021 ليتابع احتفال اليهود في كنيس الغريبة وهم يتجمعون و لو بأعداد قليلة في مساحات صغيرة وفي مكان مكتظ بالسكان، ألا يوحي ذلك بتناقض بين ما تدعو إليه الحكومة من التزام واضح بالإجراءات الصحية وما تسمح به من ممارسة الطقوس الدينية سواء كانت يهودية أو إسلامية أو غيرها؟
التجمعات الدينية تمثل خرقا واضحا للتدابير الصحية
أليس هذا خرقا واضحا للقانون الصحي العام الذي ينبغي أن تلتزم به الحكومة وتُلزم به جميع الناس سواء في تونس أو القيروان حيث حضر رئيس الحكومة موكبا دينيا يوم 17 رمضان أو جزيرة جربة؟
اليهود الذين قدموا إلى كنيس الغريبة هذه الأيام ليسوا بمنأى عن فيروس كورونا، وليسوا محميين من هذا الفيروس، فهم جزء من الشعب التونسي ومن يفد إلى الغريبة هذه الأيام عليه أن يلتزم بالحجر الصحي العام كما هو مفروض على القادمين كافة. فأي قانون يخصصهم دون بقية التونسيين؟ ولماذا هذا التمييز على أساس عرقي أو ديني؟ فهذا خطأ ترتكبه الحكومة في حقّ الشعب التونسي الذي بدأ ينهار في ظل منظومة سياسية متهالكة واقتصادية واجتماعية متردّية، إننا نعيش الانفصام الداخلي في تونس ولا أحد يشعر بالمرضى والمتوفين والذين يعانون من ضيق التنفس وضيق المعيشة وضيق الحياة و ضعف الإمكانات في المستشفيات.
ما يفعله المشيشي اليوم في جربة هو ضربٌ من الازدواجية في الحكم، كما فعلت قبله حركة النهضة عندما ضربت عرض الحائط كل الاحترازات الصحية وكل التحذيرات التي صدرت هنا وهناك واعتبرت أن ما تقوم به عين الصواب حين احتشد الآلاف من أنصارها في شارع محمد الخامس بتونس العاصمة متراصين دون اعتبار لأي ضرر قد يحدث هنا أو هناك، وقد نبّهنا إلى ذلك الأمر ولكن لا حياة لمن تنادي.
يزداد رئيس الحكومة عنادا وتزداد معه القرارات المجحفة
اليوم نجني مرارة هذه التصرفات المصلحية الحزبية والحكومية على حد سواء، ونجني مرارة أحكام كنّا في غنى عنها، وكنا يمكن أن نتفادى هذه الخسارات البشرية اليومية والمتكررة دوما، وكنا نستطيع أن نقاوم، لكن اليوم ومع تواصل تردي الوضع الصحي بالبلاد وتهالك الوضع الاقتصادي واضطراب الوضع السياسي يزداد رئيس الحكومة عنادا وتزداد معه القرارات المجحفة وغير المفهومة، فحينما تسمح الحكومة التونسية بتجمّع اليهود في الغريبة فيعني ذلك إما أنها لا تستطيع إيقاف هذا التجمّع أو أنها تبحث عن مصالح خاصة جدا وكلا الأمرين لا معنى له في ظل هذا الوضع الصحي المتدهور والآخذ في الانهيار التام.
إننا اليوم نعيش هذه الأزمة بكل معانيها، والعالم لن يساعدنا لأنه منهك هو الآخر في مشاكله الصحية والاقتصادية، سنشهد أياما صعبة جدّا، وسنكون أمام امتحان قاس، وستفتح تونس أبوابها على مصراعيها بحثا عن منفذ تستطيع من خلاله الهروب من الواقع إلى واقع جديد غير مؤلم كما هو عليه الحال اليوم، فالذي حدث في الغريبة ليس له علاقة بهذا الالتزام فلا تباعد جسدي ولا التزام فعلي بالحجر الصحي ولا إجراءات بل لا مبالاة بفيروس يتحول تلقائيا بين عشية وضحاها.
ألا يمكن إلغاء هذه الاحتفالات في وقت ما زالت تونس ستتألم وغير قادرة على التنفس، ألا يمكن أن تلغى هذه الطقوس غير الضرورية هذه السنة خوفا على صحة وسلامة الناس أم أن الغريبة لها شأن آخر؟
لماذا فعلا لم تُلغ احتفالات اليهود هذه السنة لأنها يمكن أن تسبب كارثة صحية في جزيرة جربة؟ ألم نعتبر من الهند التي سمحت لشعبها أن يحتفل بطقوسه البوذية فسبب ذلك كارثة صحية لا قِبل لها، وها هي اليوم تعاني الأمرّين في سبيل الدفاع عن شعبها وغير قادرة على احتواء هذا الفيروس، فمَن لجربة غدًا حينما تعاني ويصاب أهلها وتصبح موبوءة كما فعلوا بها في الموجة الأولى، إننا نحمّل رئاسة الحكومة تدهور الحالة الصحية ومن ثم الاقتصادية والاجتماعية، وما التحمعات الدينية في هذا الوقت الحرج إلا ضربة موجعة ومؤلمة جدا في حق الشعب التونسي لما لها من آثار سيئة في قادم الأيام.
شارك رأيك