جميلة هذه الذكريات التي تعود الى الطفولة و الشباب حين كان العيد عيدا على بساطته و دفئه، في البيت و في الحومة و في المقاهي و عند التارزي و في المقابر و مع كل شخصية. نتوقف.. و كأننا في فيلم وثائقي او لوحات فنية كل فيها دقيق… نسافر مع الدكتور بوجدارية الى مسقط رأسه، القيروان. القيروان في 75 من القرن الماضي:
” يضرب المدفع في الليل و الموعد معروف من قبل و ذلك إختيار الدولة للطرق العلمية رغم تحسر الشيوخ و تحسر الوالد… ما يضرب المدفع الا ما يكون الحلو قد جهز ، الغريبة و ڨرن غزال في كوشة العلويني و المقروض على عمتي و امي اختصاص صمصة.
و ما يضرب المدفع الا ما نكون حصلت كسوة جديدة ، من المر من حانوت سي عبدالرحمان العلاني أو من حانوت سي الشادلي كميشة و اذا كان خيطت سروال فعند محمد الجوادي رحمهم الله . و ما يضرب المدفع الا ما نكون حصلت صباط جديد من عند خليل الله يرحمو أو من عند سي الحبيب الفجي الله يرحمو
و ما يضرب المدفع الا ما اغلب النساء المتزوجات يعملو وجوههم ..
و ما يضرب المدفع الا ما يكون عندنا دار في الحومة أو من الأقارب يعملو سهرية العيد الاول لعزيز فارقهم قبل التوجه يوم العيد للمقبرة حيث ينظم ڨيطون
و ما يضرب المدفع الا ما تكون امي عملت خبزة العيد الفاوحة و كنت احملها إلى كوشة البريشني عند عم محمد
و ما يضرب المدفع الا ما نمشي لعم محمد ڨن الله يرحمو لأخذ ما اوصاه به بابا من لحم العلوش.
و ما يضرب المدفع الا ما نكون حلقت رأسي حجامة العيد عند عم احمد العلاني رحمه الله ثم الحبيب بن شيخة في حانوت بابا هذيلي بوجدارية
و ما يضرب المدفع الا ما نكون رحيت البن المتكون من قهوة و حمص و قشور برتقال في القرقابية
و ما يضرب المدفع الا ما نكون و دعنا أخر حلقة من برنامج عادل يوسف تحية الغروب و من مسلسل شاناب .
و ما يضرب المدفع الا ما تخرج نعمة يرحمها في التلفزة و تغني الليلة عيد و هي تأرخ العيد أكثر من ما يفعله المفتي
يضرب المدفع في القروان في البريجة ثلاث دقات ..مؤذنا بدخول شوال الزهو ..
ليلة العيد ما نعرفش علاش العشاء يبدى داخل بعضو ..
كنت أقف في رأس النهج في السوق لأرى السوق يمتلأ بالناس و كنت مستأنسا بأولاد الحومة و ببلحسن الصيد التارزي و بصديقي اخوه الطاهر .
سوق المر الفوقاني و هو سوق الملابس و السوق و المقاهي و الحي التجاري كلهم مملوئين حتى الصباح و كانت قهوة حسنات تتوسط السوق و كانها نقطة مراقبة تفوح منها رائحة الشيشة .
و في ليلة العيد يستأنف الكفتاجية نشاطهم للسهارى و كانت حومة الباي حومتي تتوسط كفتاجي حومة الشرفة رحيم سلام و كفتاجي المر عمر قلوس الا أنه إنضاف إليهم والد صديقي عمار ببرويطة البريك التي كان ينتصب بها أمام المدرسة العوانية.
في ليلة العيد تغص الحومة بالسيارات القادمة من سوسة و تونس لأبناء الحومة من دار العواني و النجار و بودن و نڨرة و بولجفان و الخشين و بوحديبة و طراد و غيرهم من الموضفين السامين يأتون بسياراتهم الفاخرة إلى حومتنا فتصبح سيارات الحومة و منها سيارة بابا “بالية قديمة” امام سيارات تلمع 504, R16, Audi,..
و ليلة العيد أيضا يتصالح الأقارب و السلايف و الجيران.
و ليلة العيد لا ينام فيها ثلاثة القهواجي و الحجام و التارزي
و ليلة العيد تكون أيضا آخر ليلة لي لتوصيل عشاء الموتى لدار امي شلبية، كنت أضن بأن الموتى يأكلون من فمها ..وهذه مسألة أخرى .
و ليلة العيد كانت الليلة التي يغيب فيها السحور و الطبال
كان طبالنا يرافقه يوم العيد زكار يدعى ابي الكناني أعور سليط اللسان يمران أمام ديارنا لأخذ النقود أو صحنا من الحلويات ، والدار التي تعطيهم الاثنين يحق لها أن تستمتع بعزف خاص لها ..
أنام لكي أصحى فتجد كل المدينة تردد مع ابواق جوامعها الله أكبر الله أكبر و سبحان الله و لله الحمد
و تبدأ الحياة بعد صلاة العيد ، يوم طويل … يبدأ بالاغتسال ثم لبس كسوة العيد و صباط العيد الذي غالبا ما يتنكر للجميل و “يضربني” في آخر اليوم ..
ثم تفقد جيوب السروال الجديد لنيل المهبة أو العيد و لم تكن أوراقا كاليوم بل قطعا نقدية ..فأول من أقصده هو بابا رحمه الله و قد يكون قد تعطر بعطره الشخصى Eliotrop Blanc , و أشعل سيجارته الصباحية بعد شهر من الفراق فأجده مبتسما لذلك و سخيا ثم تكون الوجهة الثانية مماتي الله يرحمها في غرفتها فأجدها تتزين أمام الڨلص و عادة ما أدخل بيتها لحظة تكحيل العينين ، فأتابع العملية كيف تفتح المكحلة و ترفع المرود و تضعه في عينها دون خوف و لا رعشة و بعدها أقبلها وعيني على “عبونها ” الذي يخبئ نقودها و بما أن مماتي إمرأة منظمة جدا فتخرج من تحت زربيتها قطعة بيضاء صغيرة و تقول لي هاو عيدك .
بعد نجاح المهمة الثانية ، المرور إلى العلوي حيث يسكن بابا الهذيلي و بابا محمود بوجدارية و كان ظريفا و لطيفا مع الأطفال و كان كل سنة يحدد ثمن العيد أو المهبى و يكتبه على لوحة بالطباشير و يعلقها و كان كل طفل يتحصل على نفس المهبى
ثم تكون الوجهة دار عمتي في حومة الجامع لحمل صحن الحلو و معايدتها و الرجوع بالمهبى و صحن المقروض الكبير و الغريبة .
في السوق كان الأطفال أبطالا و كل التجار يبتسمون لهم لجلبهم. من الذكريات حانوت بن فرج لبيع اللعب و الشفافخ على تسمية أهل القيروان اي النبايل و كذلك حانوت بو الدراوش لشراء القطايف.
كان التوجه إلى الدراجح يستوجب مرافقة من أولاد الحومة خوفا من السطو على النقود …
أما الذهاب الى المقبرة فكان من اسوأ الذكريات عندي ، فعادة ما تكون تغص بالزائرين و الطلاب المحتاجين ، و كان من الناس من يزور في صمت و إجلال و منهم من يبكي و يندب على قبر المتوفى و كان و لازال مشهدا مقرفا .
اما العادة التي إضمحلت اليوم هي الڨيطون و هو عبارة على إجتماع أهل الميت في العيد الاول للوفاة فوق قبره مفترشين زرابي و واضعين فوقها مائدة لتناول الخبز و الزيت و الزيتون و الفلفل المصير مع خبز لذيذ بينما يقف الطلاب بأكياسهم الكبيرة لجمع الخبز من المتصدقين و يجوب المقبرة عشرات العمال حاملين لأسطل الجير العربي و هم يرددون ياللي تنور ياللي تنور و كذلك بعض المؤدبية لتلاوة قليل من القرآن .
ثم تتالي في العشية زيارات أخرى للعائلة و كنت محافظا على الذهاب لدار عم مختار لمعايدته و تذوق البقلاوة اللذيذة التي كانت تصنعها اللا فطومة زوجة ابنه سي بشير .
و عندما تغرب شمس يوم العيد و يرفع آذان المغرب لا أعرف لماذا ينتابني شعور بالحزن لا زال يرافقني إلى اليوم في نفس اللحظة و كنت أتغلب عليه بمقدار ما بقي لي من نقود. ولا زالت عبارات النساء في المعايدة عيدك مبروك بحياة راس الاولاد وحياة رأس سي محمد ، اما الرجال فيهنأو بعضهم بعبارات أكثر ورعا من قبيل سنين دائمة و اللهم أغفر لنا أجمعين .
عيدكم مبروك و ربي يخليكم لأمثالو و الصغر سلطنة اما حتى الكبر بياية و الدائم ربي يا فطارة😄😄و راني نحبكم ❤️❤️”
شارك رأيك