كيف يتباكى الغرب على ما يسمى بجريمة إبادة الأرمن أو اليهود و يتجاهل جرائم إبادة الشعب الفلسطيني من طرف الجيش الصهيوني ؟ معركة بدر جديدة في انتظار المحتل اﻹسرائيلي…
بقلم ياسين فرحاتي *
إن مبدأ “الانتقاء الطبيعي” الذي يكرس فكرة البقاء للأقوى، قد أعطى شرعية للأنظمة الكليانية و المتوحشة خارج إطار إطار القوانين و النواميس الكونية لتنامي ظاهرة العنف على نطاق واسع بين الأمم و الدول و كرس العنصرية الدينية و العرقية لاجتثاث الأقليات و السكان الأصليين مثلما حدث مع “اليهود الحمر” في الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي أو مع السود و إلى حد الآن.
هذا المبدأ نفسه، اعتمده القائد ألألماني النازي هتلر في ما عرف بالهولوكوست أو المحرقة ضد اليهود ﻹبراز تفوق العنصر الآري على غيره من المجتمعات البشرية. الأمر الذي أدى موجات تهجير لهم إلى عديد الدول في العالم و منها أمريكا، حيث اندمجوا في تلك المجتمعات و وجدوا كل الدعم منها و مع انتهاء الحرب العالمية الثانية و انتصار قوات الحلفاء على قوات المحور بدأت تقوى و تتوحد جهود اليهود من أجل قيام كيان لهم بفضل جهود المؤسسس هيرتزل و الذين الذي قدم لهم وعد بلفور البريطاني سنة 1917، الأحقية في تأسيس دولتهم على أرض فلسطين المغتصبة. وقد لعبت السياسة الخارجية الذي يعد الألماني اليهودي أكبر منظريها في توطيد أركان الكيان الصهيوني الغاصب.
الولايات المتحدة حجر عثرة في طريق تحقيق الفلسطينيين لحريتهم
و بينما يتمسك الأوروبيون و خاصة الفرنسيون بما يسمونه إبادة الأرمن و يريدون إجبار الحكومة التركية على الاعتراف بها رغما عنهم و قد لحق مؤخرا بركب المنددين و المدافعين عن الأرمن الرئيس الأمريكي جو بايدن و الذي يتناسى أفظع و أقبح و أشنع جريمة تحاك ضد الإنسانية ألا وهو الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين سنة 1948، و تقف بلاده كحجر عثرة في طريق تحقيق الفلسطينيين لحريتهم و استقلالهم و استعادة حقوقهم كاملة و تأسيس دولتهم و عاصمتها القدس الشريف، التي تعيش خلال هذه الأيام المباركة من شهر رمضان المعظم، موجة من الإرهاب الصهيوني و تدنيس للمسجد الأقصى و محاولات تهجير قسري لسكان أحياء الشيخ جراح و هي السبب الذي أطلق شرارة هذه الأحداث التي افتعلها الاسرائيليون و هي أفعال تذكرنا إلى حد كبير بأفعال هتلر و كما يقول إبن خلدون “المغلوب دائما مولع بالإقتداء بالغالب”.
و إلى هذا الوقت و ألمانيا تقدم التعويضات لليهود الشيء الذي جعل منهم ضحايا على الدوام في نظر الغرب و يتجاهلون ما يتعرض له إخوتنا الأبطال في القدس الشريف و الضفة الغربية و خصوصا مدينة غزة رمز العزة و النخوة و الإباء و الصمود و التحدي لجبروت المحتل و آلته العسكرية الوحشية.
إن القضية الفلسطينية عي سلسلة أحداث متواترة و متراكمة على مر قرون، أعاد اليهود إحياءها بأكاذيب و افتراءات و مربط الفرس هي القدس الشريف مهبط الوحي. و هي الكنز الطلسم و التي ما انفك الاسرائيليون يحوكون و ينسجون حولها الأساطير، أساطير أغرب من الخيال بادعائهم هيكل سليمان المزعوم. و الحقيقة أن أول من بنى المسجد الأقصى هو سيدنا أدم عليه السلام أب البشر و ليس النبي سليمان عليه السلام كما يدعي اليهود المتطرفون بحسب الشيخ الداعية بدر المشاري استنادا على التاريخ الإسلامي المكتوب و الشفوي و ليس إلى الإسرائيليات.
يقول المفكر العربي الراحل محمد أركون أن جوهر الخلاف مع اليهود هو عنادهم في مسألة الوحي المنزل على أشرف خلق الله محمد صلى الله عليه و سلم و عدم قبولهم بكيفية أن يكون آخر نبي هو من المسلمين لأنهم يرون أنفسهم خير أمة أخرجت للناس وهم أهل كتاب.
أروع الملاحم البطولية في قطاع غزة
غزة خلال هذه الأيام، تسطر أروع الملاحم البطولية رغم تعرضها لهجوم صهيوني غير مسبوق و سقط منها العشرات من الشهداء من الأطفال و النساء و الشيوخ و مئات الجرحى و لا أبالغ إن قلت أننا نعيش “معركة بدر” جديدة. فمختلف فصائل المقاومة و مخالف أجنحتها العسكرية تعمل في تنسيق تام و على أكثر من صعيد و على أكثر من جبهة تدك إسرائيل و عاصمتها تل أبيب بوابل من الصواريخ و القذائف محلية الصنع و تحدث الخسائر في صفوف المحتل الإسرائيلي الذي يجد الدعم العسكري و السياسي و الإعلامي من اﻹدارة الأمريكية و الإعلام الأمريكي المتصهين.
فمجلس الأمن فشل في إصدار بيان إدانة اسرائيل، و هو الأمر الذي يجعل من حكومة نتانياهو التي تعيش فشلا سياسيا ذريعا و تحاول صناعة انتصار وهمي على أشلاء الأبرياء الفلسطينيين لكن هيهات هيهات، فنتنياهو تلاحقه و زوجته تهم فساد و إحتيال و هو يسعى للفوز بالانتخابات الخامسة. و لكن أتوقع و أرجو أن لا يخيبني الله فمصير نتانياهو سيكون هو نفسه مصير شارون الذي اقتحم باحة المسجد الأقصى و لكن مني بجلطة دماغية ألزمته فراش المرض لمدة ثماني سنوات كاملة في غيبوبة تامة وهو جثة هامدة. فنتانياهو هو آخر الصقور الإسرائيليين الذي سيمنى بفضل إستبسال الشعب الفلسطيني و وتماسكه و ووقوفه إلى جانب فصائل المقاومة بخيبة أمل فصفقة القرن ستكون صفعة قوية لهم و حملات التطبيع من بعض دول محور الإعتلال المعروفة قد بان فشلها و هي مردودة على أصحابها. و لن يلحقهم إلا الخزي و العار و هم إلى مزبلة التاريخ ذاهبون.
فإسرائيل، قد بشرها الله اليوم بألف صدام و صدام بعد صواريخ العباس و الحسين عام 1991، و بعد صواريخ حزب الله سنة 2006، التي حملت شعار “حيفا و ما بعد حيفا”، ها هي طير أبابيل القادمة من العمق الفلسطيني، من الإرادة الفلسطينية، من روح غزة الإيمان التي دحرت قوات الجنرال السفاح شارون و أجبرته على الانسحاب الأحادي الجانب منذ سنوات تماما مثلما و أجبر حزب الله و قوات المقاومة اللبنانية الاسرائيليين على الفرار من مزارع شبعا و جنوب لبنان. غزة، التي تمنى أحد مجرميها من القادة السياسيين و العسكريين لو ترمى في البحر، و لكنها لم تستسلم لجور و ظلم و قهر المحتل الذي يفرض عليها حصار على كل المستويات و بتآمر بعض أبناء جلدتها عليها و رغم حالة الانقسام الداخلي الذي يعمق جراحه الإسرائيليون.
تهديدات جينرالات الحرب لا يجب أن ترهب رجال المقاومة البواسل
إن هذه الحرب على الفلسطينيين و على قطاع غزة لا يعلم مداها الزمني و لا امتداداتها الجغرافية إلا الله سبحانه و تعالى، فتهديدات جينرالات الحرب لا يجب أن ترهب رجال المقاومة البواسل لأن البنية النفسية و الإيمانية للفلسطينيين أقوى من اليهود لأنهم أصحاب حق و الحق يعلو و لا يعلى عليه مهما وجد الباطل من دعم له من قوى الشر . فالصراع بين أجناد الحق و زبائن الباطل كما كتب الأستاذ راشد الغنوشي في مقال له بمجلة “جوهر الإسلام” سنة 1970، إنما يجري على مسرح التاريخ في حلبة المكان و الزمان متواصل و مستمر و العبرة من كل هذا أن الدولة العبرية مهما علا شأنها و بلغت أوجها ماديا و أفسدت على الفلسطينيين حياتهم و نغصتها عليهم و حولتها إلى جحيم و علقم، ككل كائن حي ستشيخ و مصيرها إلى فناء… فالترف عند إبن خلدون هو نذير الفناء و بوق الحمام و الجرثوم الفتاك الذي ما إن يأخذ طريقه إلى كيان حضارة حتى يبادر إلى قرض عراها و تفتيت أواصرها و لا يسلمها إلا و قد أدى بها إلى الهلاك و تركها جثة هامدة لا حراك فيها.
و أختم ببعض ما كتبه الشيخ نديم الجسر مفتي لبنان الشمالي في مجلة “الوعي الإسلامي” و نشرته أيضا مجلة “جوهر الإسلام’ في عددها السابع في سنتها الثانية، في مقال بعنوان : “بشائر عن معركة المصير بين المسلمين و إسرائيل على ضوء القرآن و الأحاديث النبوية و النواميس الكونية و التاريخ”، حيث نقتبس منه ما يلي : “العناصر الثلاثة الطبيعية الأساسية التي لا بد من اجتماعها للأمة التي يكتب لها البقاء هي :
أ – الأرض الكافية الوافية.
ب – العدد الكافي للبقاء.
ج – الوحدة الفكرية الوجدانية الضامنة لجمع القلوب.
و كل نقص، في غير هذه الثلاثة، من علم و تصنيع و تسلح يمكن تلافيه مع الزمن.”
و قد كتب الأستاذ محمد محمد النوري من الرباط في مقال له تحت عنوان “سلاحنا الفريد، عن تحرير فلسطين ملخص ما دار بين المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي في نصيحة له للشيخ أمين الحسيني” : “إن السلاح كثير، و لكنه يحتاج إلى أيدي المؤمنين و المجاهدين الصادقين، السلاح موجود في أعدائنا، و إنكم تستطيعون انتزاعه من أيديهم بقوة إيمانكم، و لكن أحذروا الخيانة، فإنه ما قتل ثورة الريف إلا الخائنون الذين باعوا أنفسهم لجاه تمنوه و لمال اكتنزوه “.
* كاتب من تونس.
شارك رأيك