كثيرا ما تردد الإدارة الأمريكية هذه الأيام أن هناك اتصالات مكثفة بين أمريكا وكل من مصر وتونس محاولة منها للضغط على الفصائل الفلسطينية للتخفيف من حدّة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي تفجّر على نطاق واسع وشمل مناطق خارج غزة إلى المناطق داخل إسرائيل نفسها وجميع مدن الضفة الغربية سقط على إثرها شهداء فلسطينيون وجرحى واعتقالات بالجملة، بل تعدّى الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان والأردن حيث وَفد شبان غاضبون للتعبير عن رفضهم ما يجري في المدن الفلسطينية وفي القدس الشريف.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
هذه الأحداث جعلت الإدارة الأمريكية تتدخل لمصلحة إسرائيل وتحاول أن تتواصل مع الأطراف الفاعلة التي لها علاقات جيدة بحركة حماس ويمكن أن تؤثر فيها بشكل أو بآخر.
تونس على خط المباحثات الدبلوماسية من أجل إيجاد حل
ولا نستغرب حينما تتصل أمريكا بمصر تطلب منها المساعدة للتحاور مع حركة حماس نظرا للعلاقة المباشرة التي تربط المصريين بالغزيين مع وجود حدود مشتركة بينهما عن طريق معبر رفح، ولكن سيبقى التأثير المصري على حركة حماس محدودا جدا في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي لم يكن يوما يعقد جلسات علنية مع قيادة الحركة بل كان التواصل عن طريق مندوبي وزارة الخارجية المصرية مما يضعف كثيرا حملة التأثير التي تقودها أمريكا دبلوماسيا لإيجاد حل سريع لهذا الصراع الذي امتدت خيوطه وأصبح نتنياهو في حرج شديد في الداخل والخارج، حيث دخلت المدن الإسرائيلية والفلسطينية في كرّ وفرّ بين جنود الاحتلال والمستوطنين من جهة وبين الفلسطينيين الذين يواجهون العنصرية في الداخل والحرب في الخارج، ويبدو أن الأمر يتصاعد بوتيرة سريعة إذا لم تتدخل جميع الدول العربية منها والأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وتوقف الاحتلال الصهيوني وعملياته العنصرية والهمجية والعنجهية.
لكن الذي شد انتباهي وانتباه كثير من المراقبين ما صرّحت به الإدارة الأمريكية سواء على لسان الناطقة باسم البيت الأبيض أو على لسان الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن أمريكا على اتصال مباشر مع تونس ولم تذكر مع من تتصل، فهي تتصل بمن في تونس؟ هل تتصل برئيس الجمهورية أم برئيس الحكومة أم برئيس البرلمان؟، و من هم المسؤولون المخوّلون للتواصل مع الخارج، فرئيس الجمهورية السيد قيس سعيد وإن كان المسؤول الأول عن الدبلوماسية التونسية لا تربطه علاقات مباشرة بأي من قيادات حركة حماس، فهو رجل قانون وأستاذ جامعي قبل أن يكون رئيسًا، وموقفه من القضية الفلسطينية اتضح بعد ذلك ولا أظن أن لديه اتصالات مباشرة بأي قائد من قادة حماس المعروفين، مما يوحي أن الرئيس غير مشمول بهذه الاتصالات المباشرة بل ربما يكون قناة تواصل وليس قناة اتصال ومن ثم نستبعد هذا السيناريو.
النهضة لها علاقات وطيدة بحركة حماس
أما رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي وإن كان سيقوم بزيارة لواشنطن قريبا إلا أنه يبقى شخصية مجهولة لدى حماس ولا يمكن أن يكون همزة وصل بين أمريكا والمنظمة المسلحة الفلسطينية ، لأن أمريكا تريد شخصية مؤثّرة في الحركة إلى حد بعيد حتى يساعد في عملية المفاوضات والمباحثات والحوار مع قادة مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل وغيرهما من قادة المقاومة الفلسطينية، وبالتالي لا يمكن أن يكون الحوار والاتصال مع المشيشي وهي شخصية مستبعدة لأنها لم تظهر من قبل وليس لها تاريخ سياسي ولا نضالي، والمرجّح على الأغلب أن يكون الاتصال بالشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان، وهي الشخصية التي لها علاقات وطيدة بقيادات حركة حماس وخاصة إسماعيل هنية، حيث سبق للأخير أن زار تونس في عهد الرئيس السابق المنصف المرزوقي، والتقاه الشيخ راشد الغنوشي واستقبلته الحركة بحفاوة كبيرة.
فاتصال أمريكا بالشيخ راشد الغنوشي على الأغلب هو الطريق الذي بحثت عنه ووجَدتْه، ولهذا نفهم اتصال الشيخ راشد الغنوشي أخيرا بالسيد إسماعيل هنية لبحث الأوضاع الفلسطينية، ومحاولة البحث عن سبل للتهدئة، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تجد قناة أخرى غير القناة الرسمية عن طريق الرئيس السابق السيد المنصف المرزوقي لعلاقته الجيدة مع حركة حماس أيضا، وفي كل الأحوال قد يستغل الشيخ راشد الغنوشي هذه العملية لتمرير أجندته للإدارة الأمريكية إن أفلح في إيجاد وسيلة ناجعة وناجحة في التخفيف أو إنهاء هذا الصراع الذي بدأ يشتدّ وينحو منحى خطيرا نحو المواجهة الشاملة.
شارك رأيك