يتعرض الشعب الفلسطيني منذ أيام إلى أبشع أنواع الإبادة البشرية من قبل الآلة الحربية الصهيونية، في ظل صمت رهيب من المجتمع الدولي، و هو الشئ الذي ما فتئ يتعرض له على مدى أكثر من 72 عاما. لكن، هل سألنا أنفسنا لماذا بقيت القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة في العالم التي لم تعرف لها حلا، بعد حل معضلات كل من زيمبابوى (روديسيا سابقا) و الموزنبيق و أنڨولا و جنوب إفريقيا و ناميبيا، منذ أواخر القرن الماضي ؟
بقلم محمد صالح الحمايدي*
لتكن لنا الشجاعة بأن نقر أن الفلسطينيين، و من ورائهم الأنظمة العربية، هم الذين، من أول نشوب الصراع على الأرض الفلسطينية، التي كانت تحت الانتداب البريطاني، بين عرب فلسطين أصحاب الأرض و اليهود القادمين إليها في هجرة غير مسبوقة، تنفيذا لوعد بَلفور و تكفيرا للنازية عن محرقتها لليهود، قد وضعوا قضيتهم، و إلى اليوم، تحت يافطة صراع ديني على الأماكن المقدسة الموجودة في أرض الأنبياء، بينما القضية هي قضية احتلال غير مشروع لأرض و شعب من طرف غزاة استعماريين قادمين من جميع أصقاع العالم، بغض النظر عن ديانتهم السماوية، لأنهم في الواقع يدينون بالصهيونية و العنصرية، لا غير.
كيف أخطأ الفلسطينيون و العرب عامة
تقديم القضية الفلسطينية من طرفهم و من طرف بقية الأنظمة العربية التي نصبت نفسها وصية عليهم، بهذا الشكل، أفقدها صبغتها كقضية استعمارية تتعاطف معها بقية شعوب و دول العالم مثلما تعاطفوا مع شبيهاتها من البلدان التي ذكرتها أعلاه و ضغطوا بكل الوسائل لتحريرها. أما و قد جعل الفلسطينيون من قضيتهم قضية دينية قائمة على الصراع على الأماكن المقدسة، فإن الرأي العام الدولي، الشعبي منه و الرسمي، لا تعنيه الصراعات الدينية و لا ينخرط في الدفاع عنها كقضية عادلة، خاصة تحت سيطرة اليهود في العالم على كبرى وسائل الإعلام المكتوبة منها و المرئية و المسموعة.
و قد استمعت خلال اليومين الأخيرين إلى أستاذ صهيوني مختص في الشؤون العربية و الإسلامية يُدرِّس في جامعة تل أبيب و يتكلم العربية بكل طلاقة (و بكل تفوق على الزعماء العرب!)، و هو يتحدث إلى إحدى الفضائيات العربية، مستغلا الطرح الديني الفلسطيني العربي لقضية الاحتلال قائلا: “ادعاء الفلسطينين و بقية العرب أن الأماكن المقدسة الموجودة على الأرض الفلسطينية خاطئ، لأن هذه الأماكن و المعابد المقدسة تعود إلى اليهود الذين أسسوها كموحدين، منذ أكثر من ثلاث أو أربع ألفيات، بأمر من الأنبياء اليهود كإبراهيم و داود و سليمان… و حتى عيسى ابن مريم نبي المسيحيين الذي هو يهودي أيضا، بينما كان العرب، إلى ما بعد منتصف القرن السابع، يقبعون في الجاهلية يعبدون الأصنام و يوئدون البنات…” و قد ذهب إلى حد اقتطاع جزء من آية قرآنية (أرجو أن لا أكون قد أخطأت شخصيا في كتابته) يقول: “هذا ما فعله قبلكم الأولون”، في إشارة، حسب فهمه، إلى اليهود الذين كانوا أول الموحدين و أول من بنى المعابد في أرض فلسطين.
الصهاينة نجحوا في جر العرب إلى المربع الخاطئ
أرأيتم كيف أخطأ الفلسطينيون و العرب عامة، منذ البداية، بتوجيه قضيتهم من مربع قضية احتلال استعماري عنصري غاشم، إلى مربع قضية صراع على الأماكن المقدسة، و هو المربع الذي نجح الصهاينة في جرهم إليه، لأنهم، مثلما صرح به الأستاذ الإسرائيلي، سيرفعون في وجه العرب و المسلمين أحقية ذوي الديانة اليهودية بتلك الأماكن المقدسة عملا بالأسبقية التاريخية، الشئ الذي يلقى صدًى عند الرأي العام الدولي شعبيا و رسميا.
هل رفعت كل من تونس و الجزائر، مثلا، في كفاحهما السياسي و المسلح ضد المستعمر الفرنسي شعار المقدس الديني للمطالبة بالاستقلال الذي نالاه بعد تضحيات كبيرة و مساندة سياسية و عسكرية من المجتمع الدولي، من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا؟ لو فعلوا ذلك لأجابت فرنسا انها جاءت لاسترجاع الأرض المقدسة المسيحية التى افتكها المسلمون من بقايا الإمبراطورية الرومانية، مع بداية غزواتهم في أوائل النصف الثاني من القرن السابع ميلادي، على غرار ما فعله المسيحيون لاستدرداد الأندلس من المسلمين بعد احتلالهم لها لعدة قرون.
* حاصل على الماجستير في القانون رئيس مدير عام سابق لعدد من المسسات العمومية خبير دولي في هيئات تعديل الأسواق المالة.
شارك رأيك