تقدمت مؤخرا كل من سوليدار تونس Solidar Tunisie و نوماد Nomad 08 وجمعيتي نخلة وموطني بيئتي بالشراكة مع Pomed ورقات سياسية حول “مبدأ العهدة على الملوث” أعدها الخبير حسين الرحيلي لامست العديد من الإشكاليات الجوهرية والمفصلية بل والحارقة المرتبطة جدليا بالمسألة المطروحة.
بقلم طارق العمراوي *
لأن إشكالية البيئة والتلوث تشريعاتها وقوانينها وبرامجها في ارتباط جوهري بالرأسمال المتنقل والمتحكم في كل ما هو وطني إقليمي ودولي فإننا سنتقاطع وطنيا مع هذه التشريعات والمتسبب فيها. و أرجعت الورقة السياسية وأسست طرحها بالعودة لندوة استوكهولم 1972. وبعدها على قمة الأرض بريو سنة 1992 كمواصلة لما تم تداوله في الندوة السابقة. لكن وبمعطيات جديدة تنضاف كضغط المنظمات غير الحكومية وجمعيات المجتمع المدني ومعضلة طبقة الأوزون والتلوث النوعي والانحباس الحراري وتبعاتها على منسوب المياه وذوبانه في القطب الشمالي والجنوبي وارتفاع منسوب الغازات وإشكالية انتقال المنشآت الملوثة من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة.
تنمية تلبى احتياجات الجيل الحاضر دوم أن تنال من قدرة أجيال المستقبل
وقد قدمت قمة الأرض مفهوم للتنمية المستدامة في مبدأها الأول”هي تنمية تلبى احتياجات الجيل الحاضر دوم أن تنال من قدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتهم” واعتبر المتابعون والخبراء أن قمة الأرض ومبادءها 27 غير ملزمة ورخوة ولا ترتقي للاتفاقيات الدولية الأخرى.
و قد تم تدارس المبادئ 1 و13 و16 و17 ذات الصلة بالإشكالية المدروسة خاصة المبدأ 16 والذي تعلق جوهريا بمسألة الملوث يدفع أو ما يعرف بمبدأ “العهدة على الملوث” وكغيره من المبادئ غير ملزم بل سبقه المبدأ 13 ليعطي الحرية المقيدة شكلا بمبادئ المؤتمر والذي دعا الدول لصياغة قوانين وتشريعات قادرة على تحديد مسؤولية التلوث وإلزام الملوثين بجبر الأضرار الناجمة عنه وتعويض الأطراف التي تضررت من هذا التلوث بشكل مباشر أو غير مباشر.
واعتبر التلوث مصطلحا فنيا لم يقع التعمق فيه وتفصيله بل بقي محط تأويل تحدده التشريعات الوطنية أو تشريعات الأقاليم والتجمعات السياسية مثل الاتحاد الأوروبي وعددوا منه فكان الدولة ومؤسساتها التي ينجم عن نشاطها تلوث وأضرار لمكونات البيئة أو شخص طبيعي أو معنوي كالشركات والمؤسسات أو تجمع لشركات كالشركات العابرة للقارات.
كلفة التلوث تدمج في كلفة إنتاج المؤسسات الملوثة
أما كلمة “يدفع” ككلمة مفتاح في الإشكالية المطروحة فهي حمالة أوجه منذ الترجمة حتى التلاعب بها فهي أولا التعبيرة الاقتصادية لمبدأ “الملوث يدفع” ومع تحمل كل الشركات والمؤسسات الملوثة للبيئة والطبيعة مسؤولياتها القانونية والمالية إلى أنها حولت الوجهة و هذه ميكانزمات الرأسمال الباحث عن الربح دائما والذي أدخل كل هذه التكاليف المادية ضمن مشروعه وأصبحت في الأخير تدمج هذه التكلفة في كلفة الإنتاج وتحول المسار إلى “مبدأ المستهلك يدفع” وقدمت الورقة تجارب العديد من الدول على غرار فرنسا وأمريكا.
أما في ما يخص تونس فكان المنطلق الانتهاكات المسلطة على الموارد الطبيعية وقد انتهجت الورقة المقدمة العمل ضمن محورين هامين: ما هو تلوث مائي وما هو مرتبط بالتربة وقد اعتبرت الورقة أن الثروة المائية نادرة وهشة وتتطلب استعمال رشيد لهذه الثروة الإستراتيجية والتي تهددها الأنشطة الفلاحية والصناعية عبر تلويث هذه الموارد المائية السطحية أو الجوفية ويرجع التقرير الوطني للبيئة لسنة 2014 عدد المؤسسات الملوثة إلى 968 مؤسسة منها 660 مؤسسة تصف في خانة الملوثة من الدرجة 3 أي الأعلى والأخطر.
خسرت تونس طيلة 60 سنة الأخيرة قرابة 900 ألف هكتار من الغابات
كما تتسبب الأنشطة الفلاحية بضرر نوعي لمصبات المياه أين يقع تصريف حوالي 600 ألف م3 من مادة المرجين والمواد الكمياوية التي تستعمل بكميات كبيرة وغير مدروسة تساهم جديا في تلوث التربة وتفقيرها من مكوناتها الطبيعية كما يقع ترشيح فواضل هذه المواد الملوثة من الأرض إلى مجاري المياه والأودية وتقدر هذه الكمية بحوالي 30 الف طنا سنويا وهي كمية كبيرة تلوث الموارد المائية الجوفية والسطحية كما خسرت تونس طيلة 60 سنة الأخيرة قرابة 900 ألف هكتار من الغابات لصالح أنشطة عمرانية أو فلاحية وصناعية ولمقاومة كل هذا مع ضرورة الانخراط في مبدأ “العهدة على الملوث” الذي هو مبدأ اقتصادي تحول تدريجيا إلى مبدأ قانوني صاحبته التجربة التونسية بمؤسسات وهياكل عمل توزعت على مجلتي المياه والغابات والديوان الوطني للتطهير و الوكالة الوطنية لحماية المحيط وآخرها المقاربة الوقائية التي اعتمدت التقييم البيئي. كل هذه لم تقدم الكثير من شانه الحفاظ على الثروة المائية والترابية والبيئية عموما ومن ضمن العوائق نذكر مجلة الغابات التي أقصت سكانها من استغلالهم لهذه الثروة مقابل مبدأ البتة الذي يكون لصالح الرأسمال وتحول الديوان الوطني للتطهير من حامي للمحيط إلى مصدر تلوث وتحول معلوم التطهير من معلوم لتكلفة معالجة المياه إلى ضريبة تهدف إلى تنمية موارد الديوان لمجابهة نفقاته ومعالجة المياه غير مطابقة مع المواصفات التونسية بعديد محطات التطهير ليصبح ديوان سياسي يعمل لصالح الساحل مهملا المناطق الداخلية والخطايا المالية التي أقرتها الوكالة الوطنية لحماية المحيط وإلحاقها بخبراء مراقبين ومدهم بتقارير تسلم للقضاء غير القادر على فهم طبيعة هذه القضايا مما يضعف من فاعلية تطبيق المبدأ وأعطى فرصة للملوثين للتمادي في تلويثهم وعدم جدوى التقييم البيئي رغم أهميته و المرتبط بدراسات تحدد آثار التلوث قبل الانطلاق في المشروع الصناعي أو الفلاحي مع نقص فادح في ترسانة الأوامر الترتيبية بهذه المؤسسات الراعية للبيئة ومقاومة للتلوث.
هذا و قدمت الورقة عدة بدائل نذكر منها تطوير مجلة المياه وكل القوانين الموجودة وإصدار الأوامر الترتيبية ودعم هياكل الرقابة ومقاومة التوجه الدولي الهادف إلى تحويل مبدأ الملوث الدافع إلى المستهلك الدافع.
* كاتب من تونس.
شارك رأيك