في “دقيقة صدق..”، مع نفسه، تريث قليلا، فكثيرا، فكثيرا و كثيرا و ركن ليكتب… و عبر المناضل عز الدين الحزقي كما لم يعبر أحد عن هذه البلاد عبر كلمات تتشابك بين الأسطر،،، لخص فيها الحاضر المتعانق مع الماضي… و يبقى لديه بصيص من الأمل، ليرث اطفال الغد من الحاضر الكئيب، شيئا جميلا، شيئا آخر… غيى الذي ورثه هو و ورثناه نحن…
في ما يلي النص بامضاء عز الدين الحزقي:
حقيقتنا كما هي بدون ماكياج وبدون” روتوش”
نحن وباختصار شديد نعيش ما زرعه فينا السابقون…
نحن أوفياء لهم بالتمام والكمال…:
-علّمونا الكذب لذلك نكذب ليلا نهارا.
علّمونا الخداع لذلك نحن اليوم نمارسه بكل وقاحة…
علّمونا الرشوة والارتشاء لذلك نحن نتبارى للفوز بالمراتب الأولى وخلقنا لها
ألقابا وأسماء.
علّمونا القبلية والجهوية لذلك ندس لبعضنا الضغائن ونشعل الفتن بعضنا
لبعض لأتفه الأسباب وإن غابت الأسباب نصنعها…نخلقها…نبتكرها
لتستقيم مواقفنا وليستقيم خطابنا ومنطق حقدنا.
علّمونا التسوّل والاقتراض فأصبحنا مرتهنين جيلا بعد جيل ولوالد
الولد..لذلك نفرح نبتهج ونتفاخر حين نقترض…
-علّمونا الربح السريع لذلك أغلبيتنا وبصفة خاصّة فئات المهمّشين من
ضحايا الخيارات الفاسدة تتعاطى الممنوعات بجميع أصنافها، فاصبحنا
تتزاحم في ترويج المخدرات وإغراق الأسواق بالبضائع المهرّبة بالتوازي مع انتشار أسواق الدعارة وامتهان أصناف الفساد…
-علّمونا العمالة وعشق المستعمِر وحبّبوا فينا الارتهان للغير فأصبحنا نتواطأ
للأجنبي ونبيع أرضنا وعرضنا بأبخس الأثمان مقابل فتات الذل والمهانة
وحتى بلا مقابل في بعض الأحيان.
-زرعوا فينا الياس والاحباط فصار شبابنا يرمي بنفسه في عباب البحار وفي شبكات القتل والارهاب هروبا من أبواب موصدة وطلبا لحلم لن يتحققَ.
-علّمونا و-علّمونا…ثمّ علّمونا…
لذلك نحن نسخة لنسخة أخرى موروثة عن نسخ هي الأخرى موروثة.
لم نولد اليوم او يوم 14 جانفي…أبدا…
من يدعي ذلك أو يسعى ليوهمنا بذلك هو مخادع نصّــاب ومفتري.
نحن انعكاس ملموس لخيارات الأمس…لأنّنا هكذا كنّــا…حين كنّا خنوعين ذليلين منبطحين للسلطان وزوجة السلطان وقوّادة لبقية الحاشية من حريم السلطان…
الجديد هو أنّنا أصبحنا اليوم مكشوفين بفضل هامش الحرية التي جاءت بها ثورتنا التي يسعى جميعنا إجهاضها خدمة للغير الفاسد وللأجنبي اللعين وانسجاما مع ثقافة الحقد والثأر الموروثين من الثقافة القبلية البائسة.
نحن انعكاس ملموس للخيارات التعليمية، ونحن ثمرة الخيارات الثقافية، ونحن بقايا الخيارات الاقتصادية ونحن ضحايا الخيارات السياسية…
الخيارات التي أسّسها وانتهجها كلّ الحاكمين الذين مرّوا بهذا البلد.
كلّهم..جميعهم كانوا يعتبرون الوطن ضيعة يملكونها، يفعلون بها ما طاب لهم من شهوات ويمارسون فيها نزواتهم وعقدهم وغرائزهم
كما كانوا يعتبرون سكّانه عبيدا لهم ..يخضعون لمشيئتهم ويؤمرون فيطيعون ولا حول لهم ولا قوّة.
لذلك أنا لا ولن أتعجّب ممّــا أرى وممّــا أسمع وممّــا يحاك في الجهر وفي العلن…
أبدا…إطلاقا…
كلّ ما يحدث منتظر بل منطقي يتماشى وما تركه لنا وزرعه فينا أسلافنا أسلافنا بالأمس القريب وبالأمس البعيد.
ربما كنت أتعجّب لو يحدث عكس ما يحدث،..
بالفعل أتعجّب وأتساءل حين تصادفني سلوكات متحضّرة أو مواقف نيّرة الخ..الخ…لكنّني سرعان ما أتذكّر قاعدة “الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه”
لذلك علينا أن ننظر لأنفسنا في المرآة بكل شجاعة كي نعي بحالنا المتردّي ونرى حقيقتنا عارية كما هي…
كفانا كذبا…كفانا استبلاها…كفانا نفاقا كفانا غرورا …
نحن بحاجة ملحّة وحياتية لجرعة من ثقافة نيّرة تزيل عنّا قليلا من طبقات الغبار الملوّث للحياة الكريمة كما تزيح عنّا البعض ممّا تراكم علينا وفينا عبر السنين من قبح السلوك ومن تخلّف الرؤى.
عندها..وعندها فقط، ربّما…ربّما سنتمكّن من تغيير البعض ممّا هو فينا من رواسب بالية عفنة ونترك لأحفادنا أشياء أخرى غير التي ورثناها.
شارك رأيك