بدون سابق انذار، وبدون اي مبررات قانونية، توقفت رئاسة الحكومة مؤخرا عن مدّ “مرصد رقابة” بردود حول مطالبه للنفاذ إلى المعلومة!
ولاحظ المرصد في الأسابيع الأخيرة تهربا واضحا من رئاسة الحكومة التي كانت تتفاعل ايجابيا في المجمل مع طلبات “مرصد رقابة” المختلفة، قبل أن يتوقف ذلك التفاعل بما يطرح استفهامات كثيرة حول هذا التهرّب وعدم الالتزام بقوانين البلاد وضرب عرض الحائط بها وما الذي تريد الحكومة التعتيم عنه وابعاد الأضواء عنه.
يفترض برئاسة الحكومة أن تتحلى بأكبر قدر من المسؤولية، وأن تكون نموذجا يحتذى به من طرف بقيّة الوزارات والهياكل والمؤسسات والإدارات التي تمول من المال العام، وأن تلتزم وبشدة بتطبيق مقتضيات القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس 2016، وأن تساهم من موقعها الرسمي والاعتباري والأدبي في تعزيز ثقافة النفاذ إلى المعلومة والشفافية والنزاهة لا أن تحاربها وتتجاهلها وتعيدنا إلى الوراء، أي إلى عهد التعتيم ومربّع التضييق وحجب المعلومة عن المواطنين ومعاملتهم كرعايا لا كمواطنين مكتملي الحقوق.
لم تتضمن مطالب “مرصد رقابة” معلومات تهم الأمن القومي لبلادنا، ولا أسرار عسكرية ولا أمنية، ولا حتى معلومات تمسّ بالمعطيات الشخصية لسائر المواطنين، بل كان يطلب معطيات من صميم عمله الرقابي والهادف إلى التصدي إلى آفة الفساد الذي تزعم الحكومة محاربته لكنها تثبت العكس بالتعتيم على المعلومات الرسمية ورفض الرد على التساؤلات والطلبات.
تشمل مطالب النفاذ التي أرسلها “مرصد رقابة” إلى رئاسة الحكومة، والتي تم تجاهلها بكل وقاحة وبشكل مخالف للقانون، معلومات عن قضايا حارقة تهم التونسيين في حاضرهم ومستقبلهم وأموالهم ومؤسساتهم العامة وقوتهم وبالتالي فإنّ من حقه معرفة الاجابات ولا مساومة في هذا الحقّ أبدا.
طالبنا في “مرصد رقابة” بحقنا وحق التونسيين كافة بمعرفة تركيبة لجان التفكير المشتركة الخمس التي تمّ الإعلان على بعثها خلال اتفاق بين رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، في مارس الماضي، وهي لجان ستخوض في قضايا مصيرية مثل مواضيع “إصلاح المنظومة الجبائية وإرساء العدالة الجبائية كمدخل للعدالة الاجتماعية”، و”الإصلاحات الضرورية بالمؤسسات العمومية حالة بحالة، وقضية النظر في سبل اصلاح منظومة الدعم، والتحكم في الأسعار وإعادة هيكلة مسالك التوزيع بما فيها أسواق الجملة.
كما طالب المرصد بحقه في معرفة تركيبة لجان التفكير المشتركة الثمانية التي تمّ الإعلان على بعثها في افريل الماضي ضمن اتفاق بين رئيس الحكومة ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهي بدورها لجان ستخوض في مستقبل قطاعات حيوية تهم كل تونسي.
تجاهلت رئاسة الحكومة أيضا طلب المرصد الحصول على نسخة من الرسالة التي وجهتها رئاسة الحكومة إلى صندوق النقد الدولي بتاريخ 19 أفريل 2021 والتي تضمنت تعهدات تونس في مجال الاصلاحات وغيرها، ما فتح المجال أمام التكهنات والاشاعات والمغالطات والتسريبات، حتى تحصّل المرصد بوسائله الخاصة عليها، ونشرها للعموم استجابة لتعطش الناس في معرفة ما يحاك في الخفاء وبعيدا عن الأضواء في قضايا تهم أجيالا وأجيالا خاصة ما يتعلّق بالقروض والمساعدات من جهات خارجية يُرجّح أنه ستكلف كل تونسي مبالغ طائلة قبل خلاصها.
وامعانا في التعتيم، رفضت رئاسة الحكومة التفاعل أيضا مع مطالب مرصد رقابة المتعلقة بالحصول على قائمة في الاتفاقيات التي تمّ إبرامها خلال الفترة من غرّة سبتمبر 2020 إلى حدود بداية ماي 2021، مع مختلف الهياكل الممثلة لأعوان وإطارات الوظيفة العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية في مختلف الأسلاك والقطاعات والتي ترتب عنها زيادة في الأجور، كما رفضت مدّنا باي بنسخ من الاتفاقيات المذكورة وبالأثر المالي المترتب عنها.
لا يؤدي التعتيم ورفض مطالب النفاذ إلى المعلومة سوى الى مزيد من الاشاعات والتكهنات والارباك وخلط الأوراق، طالما ان الجهات المسؤولة ترفض مدّ المواطنين بالخبر اليقين والمعلومة الدقيقة في قضايا مصيرية وملحة، أما من جهتنا في “مرصد رقابة”، فإننا نعتقد أن كل عمل في الخفاء وتعتيم وتجاهل لقوانين البلاد، خاصة إن كان يصدر عن مؤسسة تمثّل رأس السلطة التنفيذية، فإنه يعمّق المزيد من الشكوك القائمة والتي على ضوئها نُراسل مختلف الهيئات العمومية للتأكد والتثبت قبل التقاضي، وهذ ما يجعلنا نصرّ اصرارا على التمسّك بحقنا في النفاذ إلى المعلومة وكشفها للمواطنين وتقييمها واستخلاص ما يمكن استخلاصه من خور يرفع على الفور الى القضاء حتى يتحمل كل طرف مسؤوليته في حال حصول خروقات أو تجاوزات تمس المال العمومي.
شارك رأيك