استضاف أمس، الجمعة 28 ماي 2021، الصحفي بوبكر عكاشة، على أمواج موزاييك، كل من ماهر مذيوب النائب عن حركة النهضة و نبيل الحجي عن التيار الديمقراطي، و في رده على سؤال الصحفي عن تاريخه و أصله، أجاب النهضاوي بالتالي: ” انا فخور بأني تجمعي والان نهضاوي واحنا خلقنا الأستفيد (بمعني القوادة والوشاية) وعملناها على قواعدها”…
بقلم توفيق زعفوري
هذا التصريح لا يستوقفك فقط، إنه يستفزك و يدخل بينك و بين أفكارك، و ما فات السيد النائب المتقلّب كغيره بين ثقافتين و مشروعين، هو الأبعاد الاجتماعية و الثقافية لهذا المفهوم و توظيفه سياسيا بين زمننين : الزمن الاستعماري و الزمن النوفمبري، و سأحاول هنا تبيان تأثير هذا المفهوم في المخيال الشعبي العام و الخاص…
أما زمن الاستعمار، فإن ال”أستفيد” أو القوادة، أو الڤومي و الڤومية، كلها مفاهيم لأشخاص تواطؤوا مع المستعمر و تآمروا على بني جلدتهم و تعاونوا مع الغزاة الأجانب ضد قومهم و أصبحوا بلغتنا الحالية “عبيد فرنسا” أو حتى “صبايحية”، و مفهوم “الصبايحي” لا يتعارض في أبعاده و وظيفته عن ال”لأستفيد”، ففي زمن الاستعمار تعاون مع الفرنسيين العُمَد، و رجالات الدين و السياسيون و يمكن القول أن “الفلاڤة” فقط و بعض الوطنيين وقفوا ضد الاستعمار، و كان نصيب أغلبهم السجن و النفي و القتل و تشريد العائلات نتيجة قوادة بني جلدتهم أو ال”أستفيد” التي يفتخر بها السيد المتحوّل، و لن أزيد عنه من صفحات التاريخ و علم الاجتماع شيئا آخر…
أمّا في زمن الاستبداد، فنظام بن علي كان قائما أساسا على هاته الأشبال و الأشكال، و هي تشبه “أشبال باليلا”زمن النظام النازي الهتلري، و بن علي اعتمد في تكوينهم و تربيتهم و تدجينهم و توظيفهم نفس السياسة النازية، فكانوا فعلا أبناء التجمع و لا زال، و ها هو يتشرف بالانتماء إلى نظام نكّل بتسعة أعشار التونسيين في الداخل و الخارج و قد سرت ثقافة ال”أستفيد” في خلاياه و أنسجته الدموية، و أردف أنه يستعملها على أصولها و قواعدها أي كما يجب، و لكن ضد الخصوم، دون أن يثبت طبعا أنها لم تلحق الضرر بالغير!
بالنسبة للتونسيين في الداخل و الخارج ثقافة القوادة و ال”أستفيد”، تغلب على ضعاف النفوس و الإنتهازيين و باعة الضمير و الشرف و هي لا تشرف الرجال و تنفّرهم من أصحابها و تخلق نوعا من الضغينة و الحقد و الرغبة في الثأر و الانتقام من هؤلاء جماعة ال”أستفيد” أو “الصبايحية”، “الڤومية” و غيرها من النعوت المشينة… في فضاءات العمل، و حتى إن استحسن أرباب العمل هؤلاء و قرّبوهم إليهم لغاية الاستفادة من ال”أستفيد” و البقاء دائما على علم بما يدور في الإدارة و المصنع و غيرها، فإنهم، أي أرباب العمل، لا يحبذون هذه الأصناف “البيوعة”، و يلفظونها في أول سقطة، و يبقى من تربى على الحرية و الشهامة دائما مرفوع الرأس، عكس من طأطؤوا و تواطؤوا، و هم في كتب التاريخ مذكورون و معروفون، و ذاكرتنا ليست ضعيفة في زمن الديجيتال…
شارك رأيك