في إطار حملتها الهادفة لتسليط الضوء على إشكالية الإفلات من العقاب والحاجة الماسة لإرساء العدالة لكونهما أبرز تحديات الديمقراطية التونسية الناشئة، تدعم المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب 6 مشاريع في المناطق الداخلية والأحياء المهمشة أين تتميز التفاعلات بين قوات الأمن والمواطنين في هذه المناطق بسلوكيات لا تحفظ احترام الحقوق الأساسية وقواعد العيش المشترك مما يغذي دوائر العنف.
على الرّغم من أنّ إستخدام التّعذيب اليوم لم يعد ممنهجا بالصّفة التي كان عليها قبل الثورة إلّا أنّه لا يزال معتمدا لغايات عقابية إزاء عديد الضّحايا دون محاسبة تذكر، حيث “تتميز مقاضاة جرائم التعذيب وسوء المعاملة غالبا بالبطء وقلة استعجال النظر إضافة إلى عدم إجتهاد القضاة رغم انها جريمة لا تسقط بالتقادم وتعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان يستوجب فتح تحقيق فوري محايد لضمان محاكمة عادلة في آجال معقولة” بحسب ما يؤكده الأستاذ مختار الطريفي نائب رئيس المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب. في هذا الإطار، يمكن التأكيد بأن مسار الوصول الى العقوبة والتعويض على هذه الجرائم يبقى مليئا بالعقبات التي لا يمكن تجاوزها في اغلب الاحيان.
زد على ذلك فإن الخطاب الرسمي حول حظر التعذيب، اضافة الى مراجعة السياسة الجنائية العامة، بقي محتشما ويسوده الغموض. حيث يعمد ممثلو الدولة الى تنسيب ظاهرة التعذيب في خطاباتهم، ويختارون عبارات “حالة شاذة” و “تصرف منفرد”، وهو ما يعزز “الآلية المؤسساتية” للإفلات من العقاب. ولعل أبرز مثال على ذلك هو الإستجابة القمعية الأخيرة للتحركات الإحتجاجية المنعقدة بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة التونسية والمندّدة بالتهميش الاقتصادي والسياسي إضافة إلى إستهداف العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا سيما نشطاء مجتمع الميم.
في هذا السياق، ومنذ إنطلاقها خلال شهر جانفي 2021 بمناسبة العشرية الأولى للثورة التونسية، عملت حملة “إلى متى؟” بالتعاون مع عدة مبادرات مواطنية وجمعياتية إلى تحسيس الرأي العام الوطني حول مناهضة التعذيب والعنف المؤسساتي والضرورة الملحة لمكافحة الإفلات من العقاب. وعليه، تسعى المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب من خلال دعم الإتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون الدولي إلى المساهمة في الحد من إنتهاكات المؤسسات العمومية لحقوق الإنسان من خلال تقديم دعم مالي وتقني لستة جمعيات محلية في المناطق الداخلية والأحياء المهمشة لخوض مبادرات وساطة ومناصرة تشاركية تجاه مؤسسات الدولة والمواطنين باستخدام أساليب مبتكرة بهدف “التصدي للعنف المؤسساتي في المناطق الداخلية والأحياء المهمشة. “
إن المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والمنظمات الشريكة تؤكد عزمها دعم استمرارية المبادرات الداعية إلى إعادة النظر في سياسات الحوكمة الأمنية والحفاظ على الكرامة الإنسانية من خلال التصدي للعنف المؤسساتي ومكافحة ثقافة الإفلات من العقاب.
شارك رأيك