في المقال التالي سعادة سفير الهند في تونس، السيد بونيت ر. كوندال، يعرف ممارسة رياضة اليوغا المنتشرة في الهند منذ خمسة آلاف سنة قبل أن تغزو بقية العالم خلال القرن العشرين و تصبح ظاهرة كونية لما تمنحه من توازن جسدي و نفسي للممارسين من كل الأعمار.
أعلنت الأمم المتحدة يوم 21 جوان يوما دوليّا لليوغا في عام 2014. ولهذا اليوم أهمية خاصة لأنه أطول يوم في نصف الكرة الشمالي. ظهرت اليوغا كممارسة في الهند منذ حوالي 5000 عام واليوم أصبح الجميع يعرفها و يحاول استكشافها بشكل أو بآخر. لقد تم الآن تكييفها في جميع أنحاء العالم بطرق متنوعة وممارستها في مراكز الترفيه والنوادي الصحية والمدارس والمستشفيات وقاعات الألعاب الرياضية و المنازل ليس فقط كشكل من أشكال التمارين ولكن أيضًا كفلسفة في الحياة.
على الرغم من كل الصعاب والقيود المتعلقة بجائحة كوفيد-19،سيتم الاحتفال باليوم الدولي لليوغا في 21 جوان من هذا العام تحت شعار”اليوغا من أجل الرفاهية”. لقد جعل الوباء من’الصحة’ أولوية للجميع و يعكس موضوع الاحتفال الدور الذي يمكن أن تلعبه اليوغا خاصةً عندما يضطر الجميع للعيش بقدر أدنى من التفاعل البشري في الوقت الذي يصارع فيه مرضى كوفيد 19 الاكتئاب والصحة العاطفية وغيرها من المشاكل النفسية الأخرى في ظلّ الحجر الصحي والعزلة. لذلك، فإنّ “اليوغا من أجل الرفاهية” هو موضوع يولي الاهتمام للصحة الكلية لكل فرد ويشمل أيضًا زيادة المناعة، والبقاء في مأمن، و زيادة قدرة الجسم والعقل على مكافحة الأمراض والتعافي منها.
ليست اليوغا مجرد أوضاع جسدية أو “أساناس” لكنها فلسفة في الحياة تنص على أنّ العقل والجسد والروح كلّ لا ينفصل. تشمل المكونات الأخرى لليوغا التنفس الواعي، والتأمل، وتغيير نمط الحياة والنظام الغذائي، والتصوّر، واستخدام الصوت للمساعدة في ربط العقل والجسد والروح. لذلك لا تقتصر فوائد اليوغا على الصحة الجسدية والعقلية بل هي تصبح بذلك أداة تربطك بروحانيتك من خلال التأمل والتركيز والصلاة. إنّ أهم ما في اليوغا هو أنها تجعل المرء مدركًا لنفسه / لنفسها. في اليوغا، ما تفعله لنفسك هو ما يهمّ. لذلك فهي ليست مجرّد عمليّة تلقّ سلبيّ ولكنه فعل نشط لإشراك الذات من أجل رفاهيتها.
إنها تبني إطارًا عقليًا كلما التزم المرء فيه بالممارسة، زادت استفادته منه. يمكن للشخص من خلال هذه المشاركة أن يحدث تغييرا وعندما يرى المرء نفسه قادرا على إحداث تغيير سيمنحه ذلك الأمل. والأمل هو بداية الموجة الإيجابيّة وزيادة تمكين الشخص لمحاولة تحقيق ذلك الأمل في الشفاء الجسدي والعقلي. وقد أثبتت الدراسات العلمية المتكررة فوائد اليوغا. .ويمكن تلخيص بعضها، على سبيل الذكر لا الحصر، في قدرتها على خفض الإجهاد، والتخفيف من حدّة القلق، والحدّ من الالتهابات، وتحسين صحة القلب، ومكافحة الاكتئاب، والحدّ من الألم المزمن، وتحسين جودة النوم، وزيادة المرونة والتوازن، وتحسين التنفس، وتعزيز قدرة الرئتين، وتخفيف الصداع ومشاكل الصداع النصفي، وزيادة القوة، وتعزيز عادات الأكل الصحية. اليوغا باختصار هي تأثير إيجابي على الحياة مع فوائد عقلية وجسدية يمكن أن تحسّن نوعية الحياة بشكل عام.
يمكن للجميع ممارسة اليوغا، فهي لا تتطلب أي معدات أو تجهيزات خاصة. لا يحتاج المرء إلى أن يكون بارعًا في ممارسة اليوغا، فالمطلوب هو وجود إطار ذهني إيجابي وإرادة لاتخاذ اليوغا كممارسة منتظمة. لا يحتاج المرء إلى التحلّي بالمرونة لممارسة اليوغا، فهي تأتي بمرور الوقت.كما لا يحتاج المرء إلى أن يكون قوياً لممارسة اليوغا، فالقوة تأتي مع الوقت، ولا يحتاج إلى معرفة جميع أوضاع اليوغا، فسيصبح قادرا على ذلك بمرور الوقت والممارسة. يمكن لأي شخص مهما كان شكل جسمه أو حجمه أو مستوى لياقته البدء في ممارسة اليوغا. إن صور عارضات الأزياء النحيفات والشابات أو “الفاتنات” اللافتة للنظر في أوضاع اليوغا ليست سوى الجانب السطحي لفلسفة اليوغا . يدّعي بعض الناس أن اليوغا سهلة للغاية بينما يدعي البعض الآخر أن اليوغا صعبة جدّا. لذلك فإنّ ما يمكن أن يفعله الشخص هو ما يهمّ ومن هناك يبدأ الارتقاء نحو المستويات الأعلى. وهذا هو السبب في اعتبار اليوغا ممارسة وليست تمرينًا. أن تكون ممارسا لليوغا فذلك لا يعني أن تقتصر على ما تؤديه على بساط اليوغا بل يتعلق الأمر بما تخرج به من تلك الجلسة من فوائد لبقية يومك. يؤدي الأداء المنتظم لليوغا إلى بناء نظام مهم للغاية لإدارة ضغوط الحياة الحديثة ويساهم بشكل إيجابي في الرفاهية الجسدية والعقلية والعاطفية لأي فرد.
في المقال الذي كتبته في اليوم الدولي لليوغا في عام 2020، أشرت إلى أن تونس رحبت بحرارة باليوغا وأنّ السفارة نظمت دورات في اليوغا في عدة أنحاء من البلاد. كما تم تقديم دورات يوغا على الهواء مباشرة وتمّ بثها على التلفزيون الوطني وقد حظيت بترحيب واسع النطاق. وفي فترة الوباء، استمر الاهتمام باليوغا بدون انقطاع وسنقوم ببث حصص اليوغا على التلفزيون الوطني في عام 2021 أيضًا. ولا شكّ في أنّ جائحة كوفيد-19قد قلّصت من عدد الأحداث المادية التي تدعمها السفارة الهندية. ومع ذلك، فقد تم استبدالها من خلال الترويج لليوغا وتعليمها باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك. إنّ تونس اليوم تواجه الموجة الرابعة من الوباء، وهذا هو سبب أهمية اليوغا في الحياة اليومية. تقدم اليوغا مواجهة مثالية للضغوط المتزايدة في الحياة اليومية، كما أنها تمثل حلاً قابلاً للتطبيق للمساعدة في تحسين الوضع في حياتنا اليومية.
شارك رأيك