أصدرت مجموعة مساريون من أجل تصحيح المسار يوم 21 جوان 2021 البيان التالي تدعو فيه إلى “البحث عن حلول للأزمة تجنبنا الوقوع في المحظور و المس من مكاسب شعبنا و تعريض دولتنا الوطنية لخطر التفكك والانهيار”.
تمر الأيام والأسابيع والأشهر والأوضاع في بلادنا تسير نحو الأسوأ حتى أصبح لا يخلو يوم من بروز مؤشر سلبي يكاد ينسي ما سبقه من مظاهر تعمق الأزمة الاقتصادية والصحية والسياسية، مما جعل المواطنات والمواطنين والمنظمات الوطنية والقطاعية والأحزاب و الجمعيات و كل مكونات شعبنا تعيش حالة من الإحباط والخوف من المستقبل المجهول والاحتقان المتزايد نتيجة الشعور بالعجز وغياب أي بصيص من الأمل في خروج لبلادنا من الأوضاع الخطيرة التي تتخبط فيها .
فمن الناحية الصحية، كان من المفروض الانطلاق من مظاهر الحزم والتكاتف الاجتماعي الذي تمت بها مواجهة الموجة الأولى من الكوفيد في ربيع السنة الفارطة ، فسمحت بنجاحات ملحوظة، رغم نسبيتها، والبناء عليها لمواصلة المجهود والتصدي للموجة الثانية من الوباء. لكن ما راعنا إلا أن الأوضاع تردت بسرعة وسجلت بلادنا منذ أكتوبر الماضي ارتفاعا محموما في عدد الإصابات والوفيات. وقد ساهمت في تعكير الوضع بعض القرارات غير المدروسة و التردد أو التأخر في اتخاذ القرارات المناسبة وعدم الحرص على تطبيقها – في ظل العجز عن توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة لفاقدي موارد رزقهم جراء الجائحة- وكذلك اتخاذ إجراءات غير محسوبة العواقب في بعض المناسبات الدينية والرياضية الخ…إضافة الى عدم الاستعداد في الابان و بما فيه الكفاية فيما يخص اقتناء التلاقيح . وهذا التقصير الحكومي يجب ألا يخفي مسؤولية المواطنين في تردي الأوضاع الوبائية سواء بالاستخفاف الانتحاري بالإجراءات الوقائية الدنيا أو بالتأثر بالدعايات اللامسؤولة والإعراض عن التلقيح.
أما من الناحية الاقتصادية ، فإن الوضع الصعب الذي كان موجودا قبل اندلاع الأزمة الوبائية بات أكثر تعقيدا من جراء انعكاسات الجائحة . ورغم اقرارنا بالطابع العالمي للأزمة و لانعكاساتهما فان العجز الحالي في إيجاد الحلول لمشاكل بلادنا زاد في مراكمة المظاهر السلبية السابقة وأخذت كل المؤشرات طريقها نحو مزيد التعكر والتدهور وأصبحت كل المجهودات تنصب على البحث عن الحلول السريعة لتفادي الانهيار الاقتصادي واللجوء الى الحلول السهلة عبر التداين الخارجي لسداد الديون السابقة ومواجهة المصاريف العادية للدولة على حساب الاستثمار الدافع الوحيد الى تنمية الثروات وإلى التشغيل
وقد استغل المحتكرون والمضاربون والمهربون والمسيطرون على مسالك التوزيع… تلك الأوضاع المرتبكة لوضع اليد على قطاعات هامة من الاقتصاد مغتنمين ضعف الدولة لمزيد الإثراء على حساب قوت الشعب ومصلحة البلاد.
و من جهة أخرى فقد تعمقت الأزمة لتصبح البلاد في وضع عطالة شبه كاملة نتيجة الوضع السياسي بالبلاد الذي زاد الأوضاع خطورة فجعلها كارثية بما اتسم به من حالة التنافر و التوتر والتجاذب في العلاقات بين الماسكين بالمسؤوليات العليا في السلطة التنفيذية برأسيها وبين السلطة التنفيذية والبرلمان، فضلا عما يدور داخل البرلمان نفسه من مناورات و تصرفات مشينة ضربت مصداقيته ومصداقية العمل السياسي في الصميم.
كل هذه الظواهر المرضية أدت الى حالة وهن متعاظم في سير هياكل الدولة حيث يسخر المسؤولون جانبا كبيرا من مجهوداتهم لتحسين مواقعهم وإضعاف خصومهم على حساب محاربة الوباء وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفساد.
وعلى المستوى الاجتماعي، فإن هذا المشهد الصحي والاقتصادي والسياسي الكارثي قد زاد في درجة الاحتقان فتنامت حركات الاحتجاج خصوصا لدى الشباب و الفئات الشعبية الأكثر تضررا من غلاء المعيشة وتفاقم البطالة ، وهي احتجاجات مشروعة- رغم أنها لم تخل أحيانا من العنف ومن المظاهر الفئوية و القطاعية والجهوية- ولا يمكن التعاطي معها كمجرد “أعمال شغب” و مواجهتها بالقمع والعنف الشديد من طرف البوليس وصل الى حد وفاة شاب بعد إيقافه وسحل شاب آخر على مرأى من الجميع ،مما ولد شعورا متزايدا بتواصل افلات الأمنيين المتجاوزين من العقاب و جعل الثقة مهتزة بين الأمن والمواطن الى درجة تبعث على القلق. .
إن هذه المظاهر المختلفة للأزمة، التي تفاقم بعضها البعض أصبحت اليوم تهدد استقرار البلاد تهديدا جسيما وتضع في الميزان المكاسب التي تحصل عليها شعبنا عبر تاريخه والآمال التي علقها على الثورة الاجتماعية والديمقراطية التي قامت بها بلادنا وشبابها. هذا ما يطرح على كل من يحب هذه البلاد ويغار على مكاسب شعبها ويسعى إلى ضمان مستقبل أفضل لشبابها وأجيالها القادمة ضرورة البحث في الأسباب التي أوصلت بلادنا الى هذه الأوضاع و تقييم الوضع من مختلف جوانبه ويحملنا جميعا- ويحمل بالخصوص الماسكين بدواليب الدولة- مسؤولية البحث عن الحلول العاجلة لتلافي العواقب الوخيمة للمشاكل الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تهدد أمن البلاد.
و اعتقادا منه أن البحث عن الحلول لا يمكن أن يكون ناجعا وقابلا للتطبيق إلا عبر حوار شامل ومعمق بين جميع الأطراف السياسية والاجتماعية والمدنية، فقد اقترح الاتحاد العام التونسي للشغل مبادرة حوار وطني منذ نهاية شهر نوفمبر 2020 ، مبادرة اعتبرناها ك”مساريون لتصحيح المسار” جدية ومسؤولة و ساندناها وسعينا الى إقامة حزام داعم لها عبر نداء ال 150 شخصية من المثقفين والجامعيين ونشطاء المجتمع المدني.
لكن هذه المبادرة لم تجد إلى حد الان طريقها إلى إقناع رئيس الجمهورية وبعض الأطراف الأخرى بجدواها، وفي المقابل لا أحد تقدم بفكرة أخرى للخروج من المأزق كحل بديل عن الحوار.
ورغم مظاهر التوتر المسجل في الأيام الأخيرة والتحذيرات التي عبر عنها بعض قادة الاتحاد العام التونسي للشغل، فإننا نسجل بكل ايجابية ما ورد في بيان الهيئة الإدارية الأخيرة للاتحاد من تشبث بالحوار الوطني وكذلك ما جاء في بيان منظمة الأعراف من اعتبار أن لا حل للمشاكل التي تمر بها بلادنا في جميع المستويات إلا عبر الجلوس على مائدة التفاوض والقبول بالتنازلات بين مختلف الأطراف وجعل المصلحة العليا لبلادنا في مقدمة الأولويات .
وبناء على كل هذه الاعتبارات فإننا “مساريون لتصحيح المسار” :
1 نجدد مساندتنا لجميع الدعوات للحوار و خصوصا لمبادرة الاتحاد وتحثه على التشبث بها رغم الصعوبات ونقترح عليه أن يبادر، دون مزيد ألانتظار بالتمهيد لمثل هذا الحوار بمشاركة المنظمات الوطنية والمجتمع المدني والمثقفين… ، وتهيئة الظروف السياسية والنفسية لإقناع الأطراف المعنية بالجلوس إلى طاولة الحوار دون شروط مجحفة أو نوايا مبيتة.
2 نقترح أن يكون عيد الجمهورية، يوم 25 جويلية، مناسبة لقطع خطوة جريئة في اتجاه استعادة منسوب الثقة بين مكونات المشهد السياسي و بعث بصيص من النور والأمل في النفق المظلم الذي لم يعد شعبنا يطيق أن يتحمله أكثر مما تحمل.
3 نوجه نداء حارا وملحا إلى القوى المدنية والسياسية و الى كل الطاقات الكامنة في شعبنا وشبابه ونخبه على اختلاف توجهاتها لاستنهاضها في اتجاه الضغط من أجل إنجاز هذا الحوار للبحث عن الحلول الملائمة وتفادي الوقوع في المحظور أو المس من مكاسب شعبنا أو تعريض دولتنا الوطنية لخطر التفكك والانهيار.
عاشت تونسنا صامدة دائما أمام الزوابع والعواصف، قادرة في كل مرة على لملة جراحها واستعادة عافيتها واستئناف مسيرتها التاريخية نحو التقدم و الحرية والكرامة الوطنية و العدالة الاجتماعية.
شارك رأيك