يضم البرلمان التونسي نوابا من اختصاصات متعددة وليس من الغريب أن يكون المحامون من بين المنتخبين، إلاّ أنّ الجمع بين صفتي النائب والمحامي يجعل صاحبه في وضعيّة تضارب مصالح معقدة.
إن علاقة مهنة المحاماة بالتشريع ليست كسائرها من المهن الحرّة الأخرى فكل نصّ يوضع يمكن أن يخدم أو أن يعطل مصالح المحامي وكل قانون يسن يمكن أن يفتح للمحامي بابا ويغلق أمامه ابوابا اخرى.
وقد جاء الفصل 24 من المرسوم عدد 79 لسنة 2011 مؤرّخ في 20 أوت 2011 المتعلّق بتنظيم مهنة المحاماة، للحد من مجال تضارب المصالح المتعلق بالنواب المحامين إذ ” لا يمكن لمحام عضو بمجلس تشريعي أن ينوب أو يترافع لدى سائر المحاكم أو أن يقدم استشاراة ضد الدولة”، وجاء هذا المنع ايضا تكريسا لمبدأ الفصل بين السلط فمن العبث أن يقف محام نائب مترافعا أما القاضي ممثلا كل منهما سلطة مستقلة عن الأخرى.
كما ان منع المحامين النواب من تقديم استشارات ضد الدولة يجب أن يشمل كل القضايا الّتي يمكن للدولة القيام فيها بالحق الشخصي ونذكر بهذا الصدد أننا راسلنا كلا من السيّد رئيس البرلمان والسيّد عميد المحامين بخصوص النائب عن حركة النهضة الأستاذ بشر الشابي الّذي رصدناه من بين المدافعين في ملف الأخوين القروي.
بل أن الجمع بين مهنتي النائب والمحامي فيه خرق لمبدأ المساواة بين المحامين ذاتهم، فإن تقديم السادة النواب لأنفسهم كنواب محامين تحت قبة المجلس وفي البرامج الإذاعية والتلفزية وعلى مواقع الواب والتواصل الإجتماعي، هو اشهار غير قانوني طيلة المدة النيابيّة، أكثر من ذلك فإن الجمع بين الصفتين يكرّس لعدم المساواة بين المتقاضين بين من يدافع عنه محام ذي حصانة وبين من لا يملك حتى الإمكانيات لضمان حقه في الدفاع.
ولعل أبرز مثال على تأثير صفة النائب في مسيرة المحامي هو النائب/الأستاذ نجم الّدين بن سالم الّذي يعرف نفسه ” كمحام لدى الاستئناف ونائب بمجلس نواب الشعب عن التيار الديمقراطي ورئيس لجنة التشريع العام” ويرافع في جلّ القضايا الواردة على مكتبه بجهة المهدية، وقام مؤخرا بترسيم شركة محاماة بجدول المحامين. فهل يجد السيد النائب الوقت الكافي للقيام بدوره النيابي على أكمل وجه؟ خاصة وأنه يترأس لجنة تختصّ بالنّظر في المشاريع والمقترحات والمسائل المتعلقة بــ :
• النظم القضائية
• القوانين المدنية والتجارية والجزائية
• نظام الملكية والحقوق العينية.
وهي في نفس الوقت قوانين ونظم في صلب اهتمامه كمحامي ومن الممكن أن يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على نشاطه المهني الخاص الذي لازال يمارسه بالتوازي مع مهامه النيابية.
إنّ المحامين النواب منهم شركاء في شركات محاماة هامّة لكن هل قاموا بالتصريح بمصالحهم كاملة أمام الهيئة وهل يتم تحيين قائمات العملاء الوافدين على مكاتبهم؟ لا إجابة لنا على هذا السؤال طالما أن الأمر التطبيقي المتعلق بنشر مضمون التصاريح لم يصدر بعد.
بل إن القانون عدد 46 لسنة 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح استثنى النواب من تحجير الجمع بين مهامهم كنواب وأي مهنة أخرى، وهنا نتسائل أهذا مراد واضع التشريع أم تجل لتضارب مصالح النواب الواضعين للنص؟ لئن لا يمنع القانون بصفة قطعيّة الجمع بين صفة النائب والمحامي إلا انه لا يضع آليات رقابة جادّة ولا يكرّس للشفافيّة الأمر الّذي يفسح المجال لتضارب مصالح غير محدود.
لذا تؤكد المنظمة أن تحجير مباشرة مهنة المحاماة وعضوية المجالس النيابية (تشريعيّة ومحليّة) نظرا لأهميته يجب أن يكون مضمّنا بالنصوص الإطارية على غرار القانون الإنتخابي وكذلك في قانون تضارب المصالح والنظام الداخلي للمجلس.
خاصّة أن مساءلة المحامين لا تزال رهينة الحميّة القطاعيّة، على الرغم من أنه بات من الضروري انخراط المحاماة في مسار مكافحة الفساد سيرا على خطى القضاء التونسي كونها شريكا دستوريا في إقامة العدل.
شارك رأيك