في البلاغ التالي الذي أصدره بتونس أمس الإثنين 28 جوان2021 مرصد رقابة يعبر عن احترازاته على تنقيحات الأمر المُنظم للصفقات العمومية التي لا تضفي مزيدا من الشفافية والحوكمة على القطاع.
يعلم مرصد رقابة الرأي العام بوجود مساعي حثيثة لدى جهات نافذة في رئاسة الحكومة لتمرير مقترح لتنقيح وإتمام الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المؤرخ في 13 مارس 2014 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية في مجلس وزراء خلال هذا الأسبوع.
ويستغرب المرصد من اقدام الحكومة على تنقيح الإطار الترتيبي المنظم للصفقات العمومية بشكل آحادي وسري دون إتمام ما يقتضيه الأمر من تنسيق وتشاور أو اعلام مع كافة الهياكل العمومية والخبرات الوطنية ومكونات المجتمع المدني المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بمجال الصفقات العمومية.
ويأتي هذا الإسراع في تمرير التنقيحات المقترحة في تقديرنا رغبة من الأطراف المذكورة، وعلى رأسها المسؤول على الهيئة العليا للطلب العمومي، في استغلال مواقع نفوذ متقدمة في حكومة المشيشي ( مدير الديوان والكاتب العام للحكومة وبعض المستشارين بديوان رئيس الحكومة) لإصدار هذه التنقيحات في ما تبقى من عمر الحكومة الحالية.
وبالاطلاع على مقترحات التنقيح والاضافة التي تستعدّ حكومة هشام المشيشي لإدخالها على الأمر 1039 لسنة 2014 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية، تبين بالكاشف للمرصد أنها تعكس توجهات خطيرة في مجال حوكمة الصفقات العمومية، وتشكّل انتكاسة حقيقية فيما يتعلق باستحقاقات الشفافية والحوكمة والرقابة على المال العام، وكذا الأمر مع مبدأي المنافسة وحريّة المشاركة في الطلب العمومي، وهي استحقاقات دستورية أولا، وتعهدات دولية ثانيا.
وتتمثل أبرز التعديلات المقترحة من الهيئة العليا للطلب العمومي في :
– منح صلاحيات جديدة للهيئة العليا للطلب العمومي مخالفة لأحكام قانونية وترتيبية نافذة على غرار مصادقتها على أدلة الإجراءات الخاصة بالشراءات والصفقات لبعض المنشآت العمومية وإكساب رأيها في هذا المجال قوة القرار على حساب صلاحيات قانونية خولها المشرع لمجالس الإدارة. ولا يمكن لهيئة إدارية خارجية كالهيئة العليا للطلب العمومي التدخل في أعمال تصرف تخص منشآت عمومية مستقلة وبعضها في شكل شركات خفية الاسم.
– إفراغ هيئة المتابعة والمراجعة في الصفقات العمومية باعتبارها هيكلا تعديليا من أي نجاعة وإضعاف جدوى تدخلها وذلك بجعل رأيها ذي طابع استشاري لا يكتسي قوة القرار بالنسبة لجميع الأطراف كما هو الحال، أو منح رئيس الحكومة أو وزير الإشراف القطاعي بالنسبة للمنشآت سلطة تجاوز قرار الهيئة المذكور. وهو تمشٍ غير منطقي ويضرب عرض الحائط كل ما راكمته هذه الهيئة من تجربة ونجاعة في التدخل خلال السنوات الأخيرة. فبدلا عن دعم استقلالية الهيئة المذكورة بإخراجها من الهيئة العليا للطلب العمومي حتى لا تكون خصما وحكما في نفس الوقت، وهو ما طالبت به بعض الجهات المانحة، تهدف التنقيحات الجديدة إلى جعل هذه الهيئة في تبعية تامة لأصحاب القرار السياسي.
– إضعاف دور لجان مراقبة الصفقات العمومية من حيث التركيبة وذلك بسحب صفة العضو لكل من مراقب المصاريف العمومية ومراقب الدولة وهم المكلفون حسب التشريع والتراتيب الجاري بها العمل بالسهر على حسن تطبيق القانون والنصوص الترتيبية النافذة في المجال والسهر على احترام القواعد والمبادئ العامة للصفقات العمومية. وفي المقابل منحهم صفة ملاحظ وهي صفة من شأنها أن تضعف أدائهم وتدخلهم الرقابي وتجعل منهم مجرد ديكور رقابي لاكتمال المشهد داخل هذه اللجان .
– إضعاف الدور الرقابي للجان العليا لمراقبة الصفقات من خلال سحب عضوية مراقبي المصاريف ومراقب الدولة من هذه اللجان.
ويدعو “مرصد رقابة” رئاسة الحكومة إلى التريث في طرح المقترحات المذكورة، وإلى التوجه قبل ذلك الى إرساء وتفعيل “المجلس الوطني للطلب العمومي“ الذي يتولى، حسب مقتضيات الفصل 144 من الأمر المنظم للصفقات “دراسة التعديلات والتحسينات الضرورية للإطار التشريعي والترتيبي للصفقات العمومية بالتنسيق مع الهيئة العليا للطلب العمومي بالاعتماد على المعطيات المقدمة من قبل المرصد الوطني للصفقات العمومية وهيئة متابعة ومراجعة الصفقات العمومية وتقديم مقترحات في هذا الصدد لرئاسة الجمهورية ولرئاسة الحكومة وللمجلس التشريعي وذلك قصد إضفاء مزيد من الشفافية والجدوى وإرساء منظومة شراء مستدامة“.
ويعتبر المرصد أن التلكؤ في إحداث وتفعيل المجلس الوطني للطلب العمومي، بعد 7 سنوات كاملة من تاريخ دخول الأمر المنظم للصفقات حيز التنفيذ، يبدو متعمدا ومقصودا من بعض الجهات التي تودّ مركزة القرار في مجال الصفقات العمومية والتفرد بالرأي خاصة فيما يتعلق بإدخال التعديلات على النصوص المنظمة للصفقات العمومية، وتحديدا لدى “الهيئة العليا للطلب العمومي” والتي تتولى الكتابة القارة للمجلس الوطني، دون اشراك كافة الأطراف المعنية وتوسيع الاستشارات لممثلي المجتمع المدني والمنظمات المهنية والقطاع الخاص والجامعيين.
وقد سبق لـ”مرصد رقابة” أن راسل رئاسة الحكومة في هذا الغرض بتاريخ 24 جوان 2021، وطالب بالحصول على نسخة من قرار رئيس الحكومة المتعلق بتعيين أعضاء “المجلس الوطني للطلب العمومي”، وما يثبت بعض أنشطته و اجتماعاته وقراراته.
وبناء على ما تقدّم، يجدد “مرصد رقابة” دعوته إلى التوقف عن التسويف والمماطلة، وإرساء وتفعيل “المجلس الوطني للطلب العمومي” فورا، وهو الجهة الأنسب والمخولة لدراسة التعديلات والتحسينات الضرورية للإطار التشريعي والترتيبي للصفقات العمومية.
كما يدعو المرصد إلى مزيد تكثيف المشاورات مع المهتمين والمعنيين قبل سن أي تنقيح، ويحض رئاسة الحكومة على تأجيل البت في هذه التنقيحات التي لا تهدف إلى إضفاء مزيد من الشفافية والجدوى وإرساء منظومة شراء مستدامة.
علما وأن مرصد رقابة سيتولى متابعة هذا الموضوع عن كثب و سيتعامل مع أي محاولة مرور بقوة من الحكومة الحالية لفرض هذه التنقيحات بكل الوسائل القانونية المتاحة بما في ذلك الطعن في الأمر الحكومي المزمع إصداره أمام المحكمة الادارية وتحميل المتسببين في ذلك لمسؤولياتهم في تمهيد الطريق لسوء الحوكمة وإهدار المال العام وخدمة مصالح بعض اللوبيات والأطراف المتنفذة، أمام الرأي العام والقضاء الجزائي.
شارك رأيك