تعدّ هذه الورقة التحليلية مساهمة في تقفّي أثر حراك اجتماعي شغل اهتمام الرأي العام التونسي والاعلام الدّولي والمحلي على حدّ السواء, ونعني بذلك انتفاضة شباب الأحياء الشعبية التي رافقت الذكرى العاشرة للثورة. وهي المناسبة الأبرز في مطلع هذا العام التي نعود عبرها مرّة أخرى للربط بين تناول التحوّل الديمقراطي في دلالته المركّبة والشّباب كفاعل اجتماعي مركزي في هذا التحوّل الراهن وفي رهاناته المستقبليّة .
بقلم ماهر حنين
لقد انخرطت عدة جهات بحثية واعلامية ومدنية على مدى السنوات السابقة فيما يمكن عدّه جهدا مشتركا وجماعيا لرصد وتحليل سوسيولوجيا الشباب وسوسيولوجيا الحركات الاجتماعية عامة في سياق مسار تاريخي انطلق مع سقوط الاستبداد و مسار تحول ديمقراطي لا يزال, رغم كلّ الصعوبات, يغالب النفس لتجنب السقوط والانتكاس.
وما يزيد في تأكيد أهمية هذا الحقل البحثي هو ايضا تعدد المداخل المرتبطة به ,فالديمغرافيا وأشكال التعبير الفنية والاحتجاجية الجديدة والثورة الاتصالية الرقمية و متغيرات المشاركة السياسية ,وكذلك التطرف العنيف والهجرة وشرنقة الفردانية…, هي بعض من عناوين لمواضيع اهتمام مخصوصة غايتها دراسة مجتمع الشباب في تفاعلاته ومخاضاته وتمثّلاته. ومن خلالها تحوّلات المجتمع التونسي عامة و مساراتها المفتوحة .
مكسب هذه الأعمال البحثية والميدانية بعد 2011 هو تحرّرها داخل الجامعة من سطوة المراقبة الادارية التي قطعت زمن الاستبداد أنفاس البحث العلمي أو كادت ,وحالت دون أعمال ميدانية لدراسة المجتمع وتزامن ذلك مع تفتح مائة زهرة في حدائق المجتمع المدني الحرّ والمستقلّ, حثّت على إعداد الدّراسات و الندوات و البحوث.
ما حرّك دوافع هذه الورقة هو أوّلا راهنيّة الحدث ذاته و كذلك جملة الرسائل التي حملها ارتباطا بالمجال الجغرافي الأساسي و هو الاحياء الشعبية و بالتقاطع الذي جسّده بين فئات شبابية و حركات اجتماعية ومدنية كانت تبدو, لمن يشيح ببصره, متباعدة بل متنافرة, وهي مرتبطة أيضا بالقطيعة الصريحة التي كشفها هذه الحراك الأخير بين المجتمع التحتي و النخب الحاكمة و المهيمنة عامة, مما يطرح أزمة الديمقراطية التمثيلية التونسية, رغم حداثة عهدها, من زوايا متعدّدة.
شارك رأيك