في حديث للسيد المنصف المرزوقي أمام منتدى للشباب ذكر الرئيس التونسي الأسبق أن حركة النهضة كانت جزءا من الخراب الذي تعيشه تونس اليوم، وبيّن أن حركة النهضة لم تكن حركة بريئة خلال نضالها السياسي بعد الثورة، وأنها لم تكن هي السبب في وجود هذه الثورة، وإنما استطاعت أن تقلب الوضع لصالحها في فترة شهدت تونس فراغا سياسيا ولم يكن هناك بديل لنظام بن علي إبّان سقوطه في الرابع عشر من جانفي 2011، ورغم أن الحركة كانت تساند السيد المنصف المرزوقي في تولّيه منصب الرئاسة في 2011م إلا أن الأخير اعتبر النهضة اليوم جزءا من الخراب لا جزءا من البناء.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
ولعل ذلك يعود إلى ما يراه اليوم من تواطؤ حركة النهضة مع أحزاب كانت يوما في عداد الفاسدين وهي الحركة التي كانت يومًا تشنّف آذاننا بأنها حركة نظيفة لا تضع يدها إلا في يد الأمناء الأحرار وأنها ستعمل من أجل إنقاذ تونس من الفساد وستحارب الفساد بكل قوة، ولكننا نراها قد تخلت عن جميع مبادئها في سبيل إنقاذ روحها التي تعرضت لنكسات منذ 2011 إذ لم تستقر أي حكومة كان رئيسها من حركة النهضة، رغم تنازلها عن مبادئها وبحثها عن مصالحها ومصالح البلاد كما تنشر في كل مرة، وهي التي أيضا وضعت يدها في يد الباجي القايد السبسي مؤسس و رئيس حزب نداء تونس العلماني في نظرها وتنازلت عما كانت تؤمن به من مبادئ وقيم وهي التي تخوض المعركة السياسية في بداية المشوار السياسي.
النهضة تخلت عن المرزوقي لصالح التوافق مع قايد السبسي
وفي الوقت الذي لجأت فيه النهضة يومئذ إلى المرزوقي كبديل لبن علي وعلمت أنه الرجل المناسب في تلك المرحلة، إنما أرادت من خلال ذلك أن تكسب ثقة الشعب وأنها حركة ديمقراطية تسعى إلى التآلف بين أطياف الشعب التونسي ما عدا الحزب الذي كان يحكم البلاد وظلم الناس ونهب الثروات، واستطاع المرزوقي أن يكتسح المكان في أول عُهدته التي لم تكن انتخابا نظرا للشعبية التي كانت تتمتع بها النهضة في ذلك الوقت وأنها البديل المتاح لفراغ الساحة السياسية من أي حزب قوي يمكن أن يقف في وجهها، لكنه فشل في العُهدة الثانية وتخلت عنه حركة النهضة نسبيا لصالح التوافق الذي حصل بين السيد الباجي قايد السبسي والشيخ راشد الغنوشي آنذاك في باريس وإبعاد المرزوقي عن المشهد السياسي نهائيا، ومن ثم رأى المرزوقي أن النهضة قد استخدمته لصالحها، فلما رأت مصلحتها في آخر تخلّت عنه نهائيا.
رؤية المرزوقي التي عبّر عنها في المنتدى ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمات سياسية حدثت خلال الفترة الماضية وما تابعها من أحداث سياسية دراماتيكية أجبرت النهضة على تغيير جلدها كل مرة ترى مصلحتها فيها، فنتذكر جميعا ما كان يقوله الشيخ راشد الغنوشي في الانتخابات الرئاسية 2019 حينما رشح السيد نبيل القروي نفسه للرئاسة أن الأخير فاسد ولا يمكن أن تنتخبه النهضة ولا يمكن للنهضة أن تضع يدها في يده بأي حال من الأحوال، ثم قلبت الحركة الموازين حينذاك بعد فشل السيد عبد الفتاح مورو الذي رشحته للرئاسة في انتزاع المركز الأول أو الثاني، وجنّدت كل أتباعها ومناصريها لانتخاب السيد قيس سعيد دون توافق سياسي معه ودون أن تعرف أجندته وأفكاره السياسية، فغلّبت العاطفة على العقل ولأن في الساحة الانتخابية وجها نظيفا ووجها فاسدا، فاختارت تلقائيا الرجل النظيف حسب زعمها.
النهضة تغير جلدها كل مرة ترى مصلحتها في ذلك
وبعد أن تمت الانتخابات وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، انقلبت النهضة على من انتخبته مرة ثانية واتجهت إلى الرجل الذي كان فاسدا يوما وتراءى لها فجأة أنه لم يكن كذلك، وباتت تدافع عنه وعن أفكاره السياسية وتعتبره من المناضلين السياسيين ولم تتركه في السجن يقبع بل مارست كل الضغوط لإنقاذه وإخراجه من أسواره، ومن هنا يتبين كيف أن المرزوقي اتهمها بأنه جزء من الخراب في البلاد، فالنهضة حزب سياسي بوجه إسلامي يبحث عن مصلحته وعن بقائه على الساحة السياسية قويا، يتحالف مع من يتحالف حتى لو رآه قبيحا بالأمس فإنه قد يصير اليوم جميلا إذا كان من يتحالف معه يملك الشعبية اللازمة والقدرة على المواجهة والتأثير في الشباب التونسي، وبالتالي فإن ما تقوم به النهضة اليوم من خبث ودهاء سياسي قد لا يفيدها في المستقبل لأنها بدأت تخسر مناصريها الذين اعتقدوا أن الحل يكمن في انتخابها.
شارك رأيك