في هده التدوينة التي نشرها أمس على صفحته الفايسبوك والتي عنونها “نهاية رجل تعليم”… الشاعر لزهر الضاوي يحيي روح صديقه و رفيق دربه من ثلاثين سنه أستاذ الفلسفة و المناضل اليساري التقدمي الاجتماعي علية الزروقي المناضل السابق في الحزب الشيوعي التونسي ثم حركة التجديد الذي وافته المنية أمس الثلاثاء 6 جوان 2021…
بقلم لزهر الضاوي *
*مع كل التحوط والتخفي الذي توخيته بين جموع الراحلين إلى “العالم الآخر”… أمكن لي رصدك واقتفاء أثرك والتعرف عليك وأنت “تعرج” وسط الحشود… ناديتك فتوقفت قليلا فلم أخطىء ملامحك وأسارير وجهك وخصوصا عينيك المشرعتين اللتين تنضحان بالفكر النير القادح وسط جحافل الظلام على مدى عقود وعقود…
“أستاذ فلسفة يموت… أستاذ فلسفة يموت”… تقدم تلاميذك بالآلاف من كل صوب وحدب ليطبعوا قبلات الوداع الأخير على جبينك الواسع العريض… وكما يحدث في انفجارات “السوبر نوفا” التي تعلن عن نهاية النجوم في هذا الكون الغامض الفسيح … انطفأ نجمك الساطع يا “عليّة”… وسط وجوم رهيب من باقي الكواكب والنجوم المحيطة به…
تذكرت مجالساتك الممتعة الراقية في أواخر الثمانينات بمقهى “خليل” بمدينة قفصة صحبة “مولانا الأكبر” الأستاذ الراحل عبد الحميد الزاهي … و أنت تحلل وتناقش بأسلوبك السلس الرصين أعوص قضايا البلد والإنسان والكون والوجود وتتصدى بكل ثبات للأفكار الظلامية ومساعي ترذيل الفلسفة وتسطيحها للحط من شأنها وجعلها مجرد “محفوظات” لخليط هجين مستراب من “التربية المدنية والاسلامية”… كنت تشرح ذلك دون كلل… بكل هدوء ورصانة وبقدرة العارف المقتدر… لذلك انشغف بك تلاميذك وأحبوك في كل المعاهد التي درست بها خصوصا معهد “حي الشباب” / قفصة… ثم بدأت محنتك حين أصابتك الجلطة الملعونة وسببت لك ذلك الشلل النصفي والعسر في النطق..ورغم ذلك ثابرت على الحضور الى المقهى لممارسة هوايتك المفضلة (تطارح الأفكار)… فكنت تستقل سيارة أجرة كل صباح وتصطحب “عكازك”… وتأتي… ثم وفي أحد الأيام أخبرتني بأنك قررت أن تنتقل إلى موطن زوجتك بالوطن القبلي… وكان لك ما أردت… إلى تاكلسة… نعم إلى تاكلسة… يومها مازحتك بجد… وقلت لك: “أذاهب أنت لملاقاة المسعدي إذن ؟ صحة ليك…” ابتسمت لي بشيء من الحسرة… بعدها لم ألتقك إلا مرة واحدة … حكيت لي فيها عن الخضرة والطبيعة الأخاذة في مقرك الجديد… لكني قرأت في عينيك عطشا كبيرا للمطارحات والنقاشات الفكرية التي يبدو أنك افتقدتها هنالك…
واليوم هاهي صورتك تطالعني بنفس إشراقتها… لكن على طريق رحيلها الأبدي… فوداعا صديقي ورفيقي الرائع الطيب الأستاذ عليّة الزروقي.
* شاعر و كاتب من قفصة.
شارك رأيك