الشعب التونسي الذي لم يعد يتحمل تبعات فشل المنظومة السياسية لما بعد ثورة 2011 بأكملها أو يصبر على فساد السياسيين و فوضاهم المستفحلة و ها هو قد بدأ انتفاضته على صفجات التواصل الاجتماعي وهو ينوي أن يطلق صرخته الشهيرة “ديغاج” يوم غد الأحد 25 جويلية 2021 خلال انتفاضة يريدها شعبية تكنس الطبقة السياسية بأكملها بصفة نهائية.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
فضيحة مدوية أخرى و لن تكون الأخيرة حدثت بتونس يوم عيد الأضحى المبارك، الثلاثاء 20 جويلية 2021، حيث تدافع المئات من التونسيين على بعض مراكز التلقيح محاولة منهم للحصول على التلقيح بعد أن أذن وزير الصحة المقال السيد فوزي المهدي بذلك، وبالطبع بموافقة رئيس الحمومة السيد هشام المشيشي الذي كان يتنزه في أفخم فنادق مدينة الحمامات تاركا شعبه يعيش في دوامة الأزمة الصحية.
الشعب التونسي لم يعد يصبر على فوضى السياسيين
مع توالي الكوارث الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية لم يعد الشعب التونسي يتحمل ما يجري، ولم يعد يصبر على أخطاء السياسيين والمسؤولين، ولم يعد يثق في أي حزب سياسي ولا في أي نقابة عمالية التي يقودها الاتحاد العام التونسي للشغل، فكل مؤسسات الدولة مشلولة لا تقدم شيئا واضحا للشعب التونسي سواء في قراراتها أو في خدماتها، وكل السياسيين لاهون في مشاغلهم الخاصة ومصالحهم التي يجنون من ورائها المال الوفير.
وفي ظل هذه التوترات الشعبية والاحتقان الشديد من الشباب التونسي، لم يعد هناك مجال أو منفذ أو مبرّ يمكن أن يعذر من خلاله أي سياسي من أعلى الهرم إلى أدناه، فإذا كان رئيس الحكومة وهو يمثل السلطة التنفيذية في البلاد لا يقوم بأي عمل يفيد الشعب لا من قريب ولا من بعيد، وإذا كان البرلمان التونسي لا يقف إلى جانب الشعب في محنته ويبحث في التشريعات والقوانين التي يمكن من خلالها النهوض بالقطاعات الأساسية في تونس كالصحة والتعليم والاقتصاد فعلى تونس السلام.
… و بدأ انتفاضته في مواقع التواصل الاجتماعي
وعلى هذا الأساس انتفض الشعب التونسي في مواقع التواصل الاجتماعي بعد المآسي التي حصلت يوم العيد وقبله بأيام أي منذ انتشار السلالات المتعددة والمتحورة لفيروس كورونا ليقولوا كلمتهم وليعربوا عن أسفهم الشديد لما وصلت إليه تونس من تدهور كبير في المجالات كافة، والغريب أن هناك من يكذب ذلك ويعتبر أن تونس اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه في مجالات الحياة الخدمية معارضا كل إصلاح أو تغيير خوفا من الرجوع إلى الدكتاتورية، لكن الشعب بفئاته كافة لم يعد يستطيع العيش في تونس بهذه الطريقة المذلة التي أخّرت تونس إلى الوراء كثيرا بعد أن كان يشار إليها بالبنان في المجال الصحي والتعليمي وحتى الاقتصادي، وأصبح عاجزا عن توفير حاجياته الضرورية في وقت الغلاء الفاحش وجري رجال الأعمال وراء الربح المادي، وأصبح ينادي حتى يبحّ صوته ولكن لا حياة لمن ينادي.
إن هذه الانتفاضة الفيسبوكية قد تقود إلى انتفاضة شعبية واقعًا على الوضع الحالي بعيدا عن هذه الأحزاب السياسية والمنظمة الشغيلة، في يوم الاحتفال بعيد الجمهورية الذي يوافق الـ25 جويلية من كل عام، فالجمهورية التي تأسست لتكون خادمة للشعب، ها هي اليوم تنهار ببطء، وأبصار التونسيين شاخصة نحو من يستطيع التغيير في وقت عجز السياسيون عن ذلك، وربما قريبا سوف يستسلمون للأمر الواقع الحزين الذي كانوا سببا في حدوثه أو وجوده.
المؤسسة العسكرية هي الجهة الضامنة الوحيدة التي يثق فيها الشعب
لعل نظرية الرئيس السيد قيس سعيد بأن تونس تحتاج إلى تلقيح سياسي تأتي في هذا الإطار، وتخدم مؤسسة الرئاسة التي تتحرك بدبلوماسيتها الخارجية لضمان توفير المساعدات الدولية التي أتت من كل صوب وحدب، ولأن الرئاسة أيضا فقدت هي الأخرى ثقتها في الحكومة فلم تسند إليها عملية توزيع التلاقيح بل أسندتها إلى المؤسسة العسكرية باعتبارها الجهة الضامنة التي يثق فيها الشعب والدولة، ومن هنا نفهم التفكك السياسي الذي حدث في تونس إبان الانتخابات الأخيرة، بناء على دستور يقزّم دور رئيس الجمهورية الفاعل الحقيقي في الدولة، ويمنح الصلاحية لرئيس الحكومة الذي لم يفعل شيئا ولن يستطيع لأنه تحكمه أحزاب معينة ورجالات المال والأعمال من جهة ثانية، والنقابات العمالية من جهة ثالثة، فهو مذبذب، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
نعم إن النظام السياسي الحالي في تونس فاشل وأثبت فشله بامتياز كبير، ولم يعد الشعب التونسي يتحمل إخفاقات السياسيين الذين يتلاعبون بأجهزة الدولة المختلفة ويرسمون لوحات من الغباء في التصرف وإصدار القرار والتنفيذ غير الأمين، مما يعرض الدولة التونسية إلى الانهيار القريب، وإذا كان السياسيون لم يتحركوا في اتجاه الإصلاح والتغيير فإن الشعب سوف ينتفض بشدة ويعلن أن هذا النظام السياسي مرفوض، ويطلق صيحته المعهودة في وجه كل السياسيين “ديقاج” حتى يفهم الصغير والكبير منهم أن تونس ليست ألعوبة في أيديهم، وأن التغيير قد حان ولا محالة آت.
شارك رأيك