نظرا للاحتجاجات الشعبية الواسعة التي شملت كل الولايات يوم أمس الأحد 25 جويلية 2021 الموافق للذكرى 64 لإعلان الاستقلال اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد جملة من التدابير بالاعتماد على الفصل 80 من الدستور الذي يخول لرئيس الجمهورية حق التدخل في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة. و قد اتخذ الإجراءات التي تحتمها الحالة الاستثنائية في البلاد إرضاء لإرادة الشعب واحتراما لموقفه من الحكومة الحالية وفشلها في إدارة الشأن العام على جميع المستويات.
بقلم أنور بن حسين
رمزية تاريخ 25 جويلية :
يعتبر يوم 25 جويلية يوما له عديد الدلالات والأبعاد التاريخية والوطنية إذ كان ثمرة جهود و نضالات وطنية عديدة وحراك سياسي واجتماعي عرفته تونس في سنوات الجمر في الخمسينات من القرن المنقضي. فالجمهورية لم تأت من عبث وإنما هي نتيجة انجاز سياسي مر بمراحل منها الاستقلال الداخلي سنة 1954 والاستقلال التام في 20 مارس 1956 .
وهذا الإنجاز السياسي لم يتحقق إلا من خلال تضافر الجهود وتأسيس جبهة وطنية ضمت كل القوى الفاعلة في البلاد آنذاك. بالإضافة إلى الحراك الشعبي الذي رفض الإصلاحات الهزيلة للمستعمر الفرنسي باعتبارها لا تستجيب لتطلعاته ورفض الشعب “السيادة المزدوجة” لفشلها في توفير طموحات الشعب التونسي.
وتتالت المطالب والضغط بشتى الوسائل حيث حصلت تونس على استقلالها التام وبعد عام ونصف وبالتحديد في 25 جويلية 1957 وقع الإعلان عن الجمهورية التونسية إثر قرار المجلس القومي التأسيسي وإلغاء النظام الملكي إلغاء تاما ووقع حينها تعيين الحبيب بورقيبة كأول رئيس للجمهورية التونسية.
وشاءت الصدف أن يكون لهذا التاريخ أحداث هامة في تاريخ تونس خاصة بعد الثورة. فهو يوافق تاريخ اغتيال المناضل الشهيد محمد البراهمي سنة 2013 . كما أن الصدفة أرادت أن يكون هذا التاريخ يوم وفاة الباجي القايد السبسي أول رئيس جمهورية بعد الثورة في حكومة منتخبة يوم الخميس 25 جويلية 2019 الذي يوافق تماما اليوم والتاريخ سنة 1957 .
ووافق هذا التاريخ كذلك حصول السباح التونسي أحمد الحفناوي على الميدالية الذهبية بطوكيو في 25 جويلية 2021 في نفس اليوم الذي خرجت فيه حشود غفيرة للتظاهر والاحتجاج بجميع ولايات الجمهورية.
ورغم أن هذه الأحداث كانت من قبيل الصدفة إلا أن الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد التونسية اليوم ليست من محض الصدفة ولكنها كانت نتيجة تراكمات من الاحباطات في تسيير الحكومات المتعاقبة والفشل في إدارة الأزمات التي مرت بها البلاد على امتداد العشر سنوات الماضية.
الصراع السياسي والفشل في إدارة الأزمات الاقتصادية
إن ما نشاهده اليوم من انغلاق السلطة وعدم انفتاحها على المجتمع السياسي والمدني برمته واتخاذ قرارات بمعزل عن خيارات الشعب وتطلعاته هذا الأخير الذي كان سببا وراء وصولهم للسلطة. هذه المفارقة تدعونا إلى مراجعة أداء السلطة و ضرورة خلق آليات رقابة فاعلة وعملية. فالعمل الديمقراطي يشترط قبل كل شيء رضاء الشعب وهو الشيء الذي لم تستطع الحكومات المتعاقبة تحقيقه في ظل الصراعات السياسية و غياب الرؤية حول مستقبل يتسم بالضبابية وعدم الوضوح. والعلاقة المتشنجة بين السلطتين التنفيذيتين المتمثلة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة زادت الطين بلة وأصبح هناك بد من حلول للخروج من النفق الذي يمكن أن يؤدي لانهيار النظام وإفلاس الدولة نظرا للسياسات الاقتصادية التي تعتمد على المديونية غير الموجهة للتنمية والإخفاق في إدارة الأزمات.
وأثبت النظام السياسي الحالي (وهي النظام البرلماني الجمهوري) فشله في تسيير دواليب الدولة لما فيه من ثغرات تحول دون تحقيق التوافق بين جميع الأطراف الحزبية التي تتنازع من أجل التموقع ناسية دورها الأساسي والأهم وهو تحقيق مطالب الشعب وانتظاراته من السلطة.
بالإضافة إلى الجائحة العالمية التي دفعت عديد الدول إلى مراجعة سياساتها الاقتصادية والبحث عن آليات جديدة تكون أكثر نجاعة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في بلدانهم. إلا أن أداء الحكومة التونسية كان محتشما في ظل تدهور المنظومة الصحية العمومية وعجزها على الإحاطة بمرضى الكوفيد حتى وصلنا إلى عدد وفايات يناهز 19 ألف ونسبة تحاليل إيجابية تفوق 30 بالمائة في اليوم مع تأجيل اقتناء التلاقيح من المخابر العالمية والاكتفاء ببعض الهبات والمساعدات من باقي الدول. وإن عدم وضع صحة المواطن ضمن الأولويات الملحة هو دليل قاطع على أن الحكومة آخر همها المواطن ومعاناته ومآسيه خاصة من خلال تراجع القدرة الشرائية واستفحال ظاهرة البطالة واعتماد المماطلة والتسويف مما تسبب في عملية احتقان نتج عنها خروج الجماهير إلى الشارع بكل الولايات التونسية.
رئاسة الجمهورية تستجيب لنداء الشعب
نظرا للاحتجاجات الشعبية الواسعة والتي شملت كل الولايات اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد جملة من التدابير بالاعتماد على الفصل 80 من الدستور الذي يخول لرئيس الجمهورية حق التدخل في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة.
هذه الحالة غير المسبوقة دفعت الرئيس أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية إرضاء لإرادة الشعب واحتراما لموقفه من الحكومة الحالية وفشلها في إدارة الشأن العام على جميع المستويات إذ قام بإعفاء رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي من مهامه وجمد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدة ثلاثين يوما مع رفع الحصانة البرلمانية وتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بصفة وقتية حتى تعيين رئيس حكومة جديد .
إلا أن هناك بعض الأطراف ولا سيما من هم في أعلى هرم السلطة مثل رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في تصريح صحفي على قناة الجزيرة رأى أن تدخل قيس سعيد محاولة للانقلاب على الحكومة والدستور وأن الدستور يفرض أن يكون مجلس النواب في انعقاد دائم ويمنع حل الحكومة.
في الشق المقابل صرح محمد مسليني القيادي بحركة الشعب في حوار على قناة العربية أن النهضة هي المسؤولة الأولى عن الاحتجاجات الشعبية والغضب السائد في الشارع وأن الحكومة الحالية فاشلة وهناك ضرورة للتغيير وأعتبر أن الاستفتاء هو أحد الحلول المطروحة بما يخوله القانون الدستوري.
ويبدو أن رئيس الجمهورية متمسك بمواقفه من الحكومة الحالية وبالإطاحة بنظام حركة النهضة من خلال توظيف صلاحياته الدستورية ومنها الفصل 87 الذي يقول بأن رئيس الجمهورية يتمتع بالحصانة طيلة توليه الرئاسة ولا يسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه.
يبقى الأمر متعلقا بردود أفعال الحكومة ومدى استجابتها لنداء الشعب. هل ستقوم الحكومة بالاستقالة كما هو الحال في الديمقراطيات العريقة أم أنها ستتمسك بالكراسي مما يمكن أن يتسبب في تعميق الأزمة في غياب حوار حقيقي وعملي؟
كاتب وناشط مدني.
شارك رأيك