دخلت تونس أمس الأحد 25 جويلية 2021 في مرحلة جديدة في اليوم الذي كان يفترض أن تحتفل فيه بعيد الجمهورية، بعد المظاهرات التي شهدها كثير من الولايات، تنادي كلها بحل البرلمان ورفع الحصانة على جميع النواب بعد أن أصدر الرئيس التونسي السيد قيس سعيّد قرارات جريئة بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب وإعفاء رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي من منصبه وأن يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية وتعيين رئيس حكومة جديد، وفي ذلك مؤشر على تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي مما يفتح المجال أمام عدة تكهنات وسيناريوهات في الأيام القادمة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
قرارات مفاجئة وصارمة وحازمة
لقد حذّرمعظم المحللين من هذا الانفجار الذي يمكن أن يحدث في تونس نتيجة التهاون في إنقاذ الدولة التونسية ولكن لا حياة لمن تنادي، واليوم وبعد هذه الانتفاضة الجديدة على الحكومة والبرلمان لعجزهما في إدارة البلاد اقتصاديًّا واجتماعيًّا وصحيًّا جاءت هذه القرارات المفاجئة والصارمة والحازمة.
إن تونس اليوم مُقبلة على سيناريو تغيير النظام السياسي برُمّته بعد أن دعا رئيس الجمهورية إلى تجميد البرلمان إلى حين إجراء انتخابات تشريعية جديدة وتغيير قانون الانتخابات والنظام السياسي، ولكن هل ستقبل الأحزاب السياسية التي طالما تصارعت على الحكم في السنوات الماضية هذه الإجراءات الاستثنائية التي قررها الرئيس سعيد، وجاءت بعد الضغط الشعبي الكبير عليه من أجل تغيير النظام السياسي والخروج من المأزق التي تعيشه تونس منذ ثورة 2011م، وبعد أن ذاق الشعب مرارة الحياة على كل المستويات وفي المجالات كافة، لكن المُخيف اليوم أن تُحرّك بعض الكيانات النائمة المياه الراكدة وتستفيد من الفراغ السياسي الآن.
إن التحول الذي حدث كان مفاجئا ولم يكن متوقّعا أن يحدث الآن وبهذه الكيفية، ولكن في الوقت نفسه هو ما كان يُطالب به العديد من التونسيين منذ أن حدث الصراع بين الرئاسات الثلاث وتفاقم ولم يعد يُحتمل، ووفقا للفصل 80 من الدستور التونسي الذي ينص على أنه من حق رئيس الجمهورية التدخل وإصدار القرارات الملائمة إذا رأى أن هناك خطرا داهما يهدد أمن البلاد إلى الخطر، جاءت هذه القرارات الجريئة التي خرج بها رئيس الجمهورية بعد أن فشلت كل محاولات الإصلاح بين الرئاسات الثلاث بل إن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود من كل الجهات. فكان الحل إما أن يتدخل رئيس الجمهورية ويفعّل الفصل 80 وهو ما حصل فعلا وإما أن يتدخل الجيش التونسي ويصدر قرارات جديدة للحكم في البلاد وهو ما لم يحدث إلى حدّ الآن لاعتبارات عدة منها تحييد الجيش عن التدخل في إدارة البلاد ولأن مهمته حسب الدستور حماية البلاد من أي تدخل أجنبي ومن أي تهديد للأمن القومي الداخلي.
حركة النهضة فشلت في قيادة البلاد نحو برّ الأمان
وفي ظل هذا التغيير المفاجئ سارعت حركة النهضة إلى اعتبار ما حدث انقلابا على الدستور وأن رئيس الجمهورية ليس من حقه تجميد البرلمان ولا التفرد بالسلطات وأن الحركة لا تسمح له بذلك وستدافع عن الثورة التي قامت منذ عشر سنوات، ولا تسمح أيضا بعودة الدكتاتورية من جديد حسب رأيها، ولا ندري ما الذي ستقدم عليه هذه الحركة بعد أن فشلت في قيادة البلاد نحو برّ الأمان وقد واتتها الفرصة بعد هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بل إنها رفضت هذه القرارات بكل قوة وقالت على لسان رئيسها أنها ستبقى تدافع عن الثورة وعن الحرية والديمقراطية.
أما خارجيا فربما تتدخل بعض الدول التي لها مصالح مع تونس لتهدئة الأوضاع وإصلاح ما يمكن إصلاحه وذلك حسب المعطيات الجارية على الأرض، وربما نرى ردود فعل متفاوتة من دول عدة حسب علاقتها بتونس كما يمكن أن نرى بعض الدول التي لها علاقات جيدة مع حركة النهضة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما من الدول تمارس ضغوطا على رئيس الجمهورية للتراجع عن بعض هذه القرارات.
أما فرنسا فيبدو أنها ستقف في الوسط، فهي لا تدين هذه القرارات وتعتبر ذلك شأنا تونسيا داخليا وفي الوقت نفسه يمكن أن تضغط على الرئيس قيس سعيّد لاتخاذ التدابير الملائمة دون تهييج الشارع لمزيد من العنف والتدهور الاقتصادي والاجتماعي.
ويبقى السؤال هل يستطيع السيد قيس سعيّد فرض هذه القرارات التي أعلن عنها، أم ستكون هناك معارضة قوية من الداخل تمنعه من تنفيذها سواء بالقانون أو عبر التهديد أو الانقلاب أو بالتظاهر أو بغيرها من الوسائل، وهل سيكون الجيش والأمن طوع رئيس الجمهورية لمواجهة أي تحديات أو خروج عن القانون؟
لا شك أن المهمة صعبة وصعبة وجدا، ولكنه يمكن أن يكون المخاض العسير الذي يولّد مظهرا جديدا للحكم في تونس، ويمكن أن تدخل البلاد في فوضى سياسية وربما في حرب أهلية وهو ما لا نتمناه طبعا بأي حال من الأحوال وستبقى الأيام كفيلة وحدها بما سيحدث وما سيجري.
شارك رأيك