على الشيخ راشد الغنوشي ز عيم حركة النهضة الإسلامية وهو في لحظة سقوطه المدوية أن يتمعن في هذه الأبيات الشعرية لأبي البقاء الرنديز “لكل شيء إذا ما تم نقصان… فلا يغر بطيب العيش إنسان… هي الأيام كما شاهدتها دول… من سرّه زمن ساءته أزمان”.
بقلم توفيق زعفوري
كل الحركات السياسية خاضعة لمبدأ التحوّل و حتى التحلّل بفعل الممارسة أو الضغط أو الانصهار، و هي ليست بمنأى عن التفاعل مع الواقع، فأين الحزب الديمقراطي التقدمي و أين نداء تونس و أين الحزب الشيوعي التونسي و أين و أين… كلها تآكلت بفعل الممارسة أو بفعل التحوّلات العميقة في الداخل أو الخارج. حزب حركة النهضة واكب هذه التحركات و التحوّلات بروح أكثر براغماتية مناورا أحيانا، خافضا جناحه أحيان أخرى، و ملتفّا في أغلب الأحايين، و هو المحرك الذي تشققت على جنباته الأحزاب التي تحالفت معه، و كأنه يَأكل و لا يُؤكل.
لا يبدو أن الشيخ الغنوشي استوعب اللطخة الكبرى
بعد انسحاب شخصيات مؤسسة و مؤثرة و فاعلة في الحركة كحمادي الجبالي، و زبير الشهودي و العربي القاسمي و ماكينة الحركة عبد الحميد الجلاصي و غيرهم ممن التزموا بواجب التحفظ و لولاه لكانت الحركة نسياً منسيا، ثم حاول جماعة المائة في رسالة مؤثرة و جولات و اجتماعات متكررة إنقاذ الحركة من براثن مؤسسها الشيخ راشد الغنوشي الذي حاول الالتفاف على نظامها الداخلي و الانقلاب على الفصل 31 منه، و صمته المريب الطويل من إمكانية إعادة ترشحه من عدمه، و جميع الأخطاء التي لم يرها الشيخ بحكم بريق السلطة القوي و الإبهار العميق لا يبدو أن السيد راشد، رغم الهزات القوية التي خرج منها سالما، أنه استوعب اللطخة الكبرى أو أن صداها وصل إلى أذنيه، و هو لايزال يردد أن جلده قوي، حتى بعد أن شاهد خيانة مناصريه و فرحة أغلب التو نسيين بسقوطه المدوي، بل أكثر من ذلك بدأ ينفض من حوله حتى من كانوا يدافعون عنه و من المقربين، إذ تتواصل في شورى النهضة السجالات و المناكفات و التجاذبات و حتى صراع الأحلاف، و خاصة بين عبد اللطيف المكي و رئيس الحركة و هذه ليست المرة الأولى و لا الثانية، ما يوحي بأن نهاية الرئيس ستكون على شاكلة لوران ڤباڤبو Laurent Gbagbo حينما أخرجته القوات الخاصة الفرنسية من غرفة نومه شبه عار.
الذين أعمتهم السلطة لا تعود لهم بصيرتهم الا بعد فوات الأوان
المستبدون بالرأي و بالسلطة لا تعود لهم بصيرتهم الا بعد فوات الأوان و لا ينتبهون و لا يأبهون للتنبيهات و خاصة لا يقرأون التاريخ، و مصير السيد راشد ليس بعيدا عن مصير حسن البشير الرئيس السوداني المخلوع، خاصة إذا اعتبرنا جملة القضايا الملاحق فيها و التي تذهب به إلى ما وراء الشمس، و هو لا يزال متشبثا يحسب أن الزمن سيعود به إلى الوراء، إلى كرسي المجلس.
السيد راشد لم يعد لديه ما يتنازل عنه، و سقطت أوراق الضغط لديه جميعا، و هو أضعف ما يكون و أهون من أن يستمر بعد إصابته الأخيرة بفيروس كورونا، فلماذا خير الغنوشي هذا الخروج المذل بعدما فتح له النهضاويون و التونسيون أبوابا كثيرة و مرات عديدة لخروج آمن و مشرّف!؟
يقول ابو البقاء الرندي “لكل شيء إذا ما تم نقصان… فلا يغر بطيب العيش إنسان… هي الأيام كما شاهدتها دول… من سرّه زمن ساءته أزمان”.
تونس أبقى و تونس أكبر من الجميع و فوق الجميع، و ربي يحميها من أعداء الداخل و الخارج…
شارك رأيك