لا شك أن تونس تشهد اليوم عهدا جديدا و قد تنفس التونسيون الصعداء بعد القرارات الجريئة والصارمة التي صدرت عن رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد يوم الأحد 25 جويلية 2021، و ذلك استجابة منه لمطالب عشرات الآلاف من التونسيات و التونسيين الذين نزلوا يومها للمطالبة بإسقاط الحكومة و حل البرلمان و تغيير النظام السياسي الفاسد.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
الإجراءات المعلنة من طرف رئيس الدولة و التي تلقاها التونسيات و التونسيون بمظاهر الفرحة والابتهاج في كامل مدن الجمهورية تمثل المفصل في تاريخ تونس الحديث حيث شهدت البلاد خلال الفترة الماضية حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي والركود الاقتصادي رأى الشعب استحالة الحياة في ظلها فأراد التغيير وعبّر عن ذلك بكل قوة في مظاهرات يوم 25 جويلية وليوصل رسالة قوية لكل من رئيس الجمهورية والبرلمان والحكومة على حدّ سواء أن الشعب التونسي ضاقت عليه الأرض بما رحبت ولم يعد قادرا على مواجهة صعاب الحياة ولم يعد يصبر على تجاوزات نواب البرلمان الذين ظلوا يمارسون تهريجهم المتعمد طوال فترة عملهم الماضي، فكّر الرئيس وقدّر وأوّل الدستور واستخدم الفصل الثمانين لإنهاء حالة الاحتقان ولو لم يفعل ذلك لحدث انفجار ولدخلت البلاد في أتون صراعات داخلية لا ندري ما سيكون مآلها.
الإجراءات الاستثنائية المعلنة من طرف الرئيس قيس سعيد بلسم شاف مؤقت
تنفّس التونسيون قليلا بعد ما جاءت هذه القرارات بلسمًا شافيًا مؤقتًا لما يعيشونه من ذلّ وهوان وفقر وبطالة وبلاد تنهار أمام أعينهم، فطالبوا بالإصلاح والتغيير ومحاسبة الفاسدين، وكان هذا محور المطالبة نحو التغيير، وكان لهم ما أرادوا واستجابت الرئاسة لمطالبهم بعد دراسة وتأنٍّ وتأويل للفصل الثمانين وكانت المفاجأة للجميع أن قرر الرئيس إعفاء السيد هشام المشيشي من منصبه وتجميد عمل البرلمان، وهو القرار الذي أحدث انقلابا في نفوس التونسيين فتحولت من نفوس محتقنة ضاجرة من الوضع المأساوي إلى نفوس مستبشرة مبتسمة فرحة بما حدث وخاصة بعدما وعد الرئيس قيس سعيد الشعب التونسي بالتغيير والحياة بكرامة وبحرية، وتوعد الفاسدين بالمتابعة والمحاسبة، وكانت القرارات تلو القرارات تبين أن الرئيس جاد في عمله، رغم تخوف البعض من أي محاولة لصنع ديكتاتورية جديدة في تونس.
انقسمت الأحزاب السياسية في تونس نحو هذا القرار، فمنها من رحّب كليا، ومنها من رحّب بتحفّظ، ومنها من عارض ذلك بشدّة واعتبر ما حصل انقلابا على الدستور، فأيا كانت التعليقات والتعبيرات فإن تونس اليوم بدأت تشهد تغييرا على المستوى السياسي، وتعتبر أنها خطت خطوة مهمة إلى الأمام، ومازال الشعب التونسي ينتظر المزيد من القرارات من رئيس الجمهورية ليكمل مشوار التغيير الشامل ومنها تغيير النظام السياسي الذي كان عقبةً كأْداء في وجه الإصلاح الشامل في البلاد.
الشعب إذا اختنق لا يعرف للديمقراطية معنى و لا يرى لها ضرورة
عانينا كثيرا نحن في تونس من النظام شبه البرلماني السابق أو شبه الرئاسي، وكانت الأحزاب التي تمسكت بالنظام البرلماني لا تشعر بالانهيار الاقتصادي السريع لتونس وحالة اليأس التي أصابت الشباب التونسي في كل المواقع وعرّضته للخطر في كثير من الأوقات وكانت تعتقد أن الديمقراطية وحدها كفيلة بأن تجعل الشعب يقبل بمساوماتها، لكن أخطأت التقدير، فالديمقراطية التي لا يصاحبها انتعاش اقتصادي وازدهار اجتماعي مرفوضة عند الشعب لأنه سوف تنغص عليه حياته اليومية وهذا ما حصل في تونس في الآونة الأخيرة، والشعب إذا اختنق لا يعرف للديمقراطية معنى، هو يريد أن يعيش كما يقول بحريّة وكرامة في بلاده وينعم بخيراتها ويقوم بواجبه نحوها، ولا يريد كلمات فضفاضة من هنا وهناك التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وبالتالي فهو يرنو إلى تغيير النظام السياسي، وعلى رئاسة الجمهورية أن تبحث في السبل القانونية والدستورية التي تواكب الحدث الشعبي وتخرجه من محنة النظام البرلماني الذي أثبت فشله الذريع ولم يستطع تحقيق ما يرنو إليه الشعب التونسي، وهو ما قامت به عدة دول وما تسير عليه كثير من الدول، إذ لا يمكن للسفينة أن يقودها ثلاثة، لأن القرارات ستكون متصادمة ومتعارضة بشكل كبير وقد يؤدي ذلك إلى غرقها في أي وقت من الأوقات، فلا مناص إذا من تغيير النظام السياسي برُمته وإنشاء دستور جديد يتوافق مع رغبة الشعب التونسي في التغيير نحو الأفضل، والاتجاه إلى نظام رئاسي بشرط أن يكون الرئيس تحت المراقبة الشعبية والبرلمانية، يمكن خلالها أن يراقب الشعبُ والبرلمانُ تصرفات الرئيس، فإن حاد عن الدستور أو اتجه نحو الديكتاتورية والاستبداد فإن من حق الشعب والبرلمان أن يعزله فورا ويطالب بانتخابات رئاسية جديدة.
نعم الكلمة الأولى والأخيرة للشعب، فهو الذي يحدد النظام الذي يريده في إطار من الاحترام والقانون والدستور، وعلى السياسيين أن يكونوا خدما للشعب لا أوصياء عليهم، ومن ثم تتكوّن هذه العلاقة التناسبية بين الرئيس والمرؤوس وتتجه البلاد نحو التغيير الفعلي والنمو الاقتصادي والتحسّن الاجتماعي.
شارك رأيك