“إنّ أولى خطوات محاربة الفساد هي الاعتراف بوجوده، ويأبى قضاتنا الاعتراف بفساد سلطتهم.
اليوم، وعلى إثر فضيحة القاضية “حمّالة العملة” قرر مجلس القضاء العدلي في وقت قياسيّ رفع الحصانة عن المعنيّة ووقفها عن العمل. قرار جاء لامتصاص الضغط وقد تغلب قضاتنا عن النزعة القطاعيّة هذه المرّة وقرروا التخلّص من الثقل عن السفينة الغارقة.
حيث نتمنى الاّ يكون القرار من قبيل ذر الرماد على العيون، فإيقاف القاضية عن العمل ورفع الحصانة عنها اجراء نثمنه ولكنه غير كاف. فالأهم من المسار التأديبي هو المسار الجزائي، على أمل أن يتم التقصّي بشكل جديّ في مصدر المبلغ الضخم الّذي كان بحوزة القاضية، ويتم توجيه التهم الّتي كان سيواجهها أي مواطن “عاديّ” غير محصن.
ونذكّر في هذا الصدد بالفصل 92 من القانون عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب وغسل الأموال حيث “يعتبر أيضا غسلا للأموال، كل فعل قصدي يهدف إلى توظيف أموال متأتية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، من الجرائم المنصوص عليها بالفقرة السابقة، أو إلى إيداعها أو إخفائها أو تمويهها أو إدارتها أو إدماجها أو حفظها أو محاولة القيام بذلك أو المشاركة فيه أو التحريض عليه أو تسهيله أو إلى المساعدة في ارتكابه.”
ولا يكفي قرار مجلس القضاء العدلي هذا حتى ننسى كل القضاة الّذين اجرموا وأفلتوا من العقاب.
⭕ لن ينسينا قراركم هذا أن الطيّب راشد الّذي يترأس إلى اليوم محكمة التعقيب، متهم بالتدليس والإرتشاء وغسل الأموال ولا القضاة الثلاثة عشر المتورطين في تقرير التفقديّة العامّة بوزارة العدل الّذي تكتمتم عن تفاصيله.
⭕ لن ينسينا القاضي “الحفّار” الّذي تمت ترقيته بعد أن ضبط في حالة تلبس ينقب عن كنز في احد الأراضي في تستور.
⭕ لن ينسينا قراركم هذا، سياسة التعتيم والإفلات من العقاب الّتي تتبناه السلطة القضائية منذ عقود لحماية ابناء “السلك”.
إن القضاء (إي إي حاشا إلي ما يستاهلش وحاشا الشرفاء فيبالنا) فاسد حد النخاع، فاسد بفساد منظومة العدالة في دولتنا.
فاسد بالخضوع للسلطة التنفيذيّة والتماهي مع الوضع السياسي. فاسد بتعسّف القضاة في استعمال سلطتهم وبالتخفي خلف حصانتهم، فاسد بطول اجراءات التقاضي وعدم تلخيص ورقن الأحكام لسنوات.
فاسد طالما أنّ المتقاضين لا يسترجعون حقوقهم إذا طلبوها، وبفساد كبير القضاة وصغيرهم من الأعلى درجة إلى الأدنى درجة.
فاسد بتغيّر الأحكام على المقاس وبغياب الأمان القانوني، وبانحطاط القيم الأخلاقيّة في صفوف “البعض” من القضاة، فكيف نتوقع من قاض اجتاز المناظرة بالغش والمحاباة أن يكون عادلا ونزيها، وإنّ فاقد الشيء لا يعطيه”.
شارك رأيك