“اِرْمِي الكازي في الحبس!”: هذه القولة التي لا أعرف أصلها ولا فصلها هي من الأقوال الشعبية التي تجري على لسان بعض الناس عندنا. أما معناها فمن الواضح أن له علاقة بتجسيم العدالة وبمكافحة الجريمة من خلال الإشارة إلى السجن. وقد جاء القَوْل في صيغة الأمر الموجه إلى من بيده المفاتيح يأمره بأن يودع السجن من ارتكب الجرم. ف “الكازي” أرى أنها تحيل إلى اللفظة الفرنسية ” accusé” ، أما من أصدر الأمر فأظنه قاض تولى إصدار حكم قضائي ضد “الكازي”.
بقلم فتحي الهمامي *
ولقائل ان يقول هل ثمة غير السجن مكانا “طبيعيا” لمن صدرت ضده أحكاما باتة من القضاء بالحرمان من الحرية، أو بطاقة قضائية بإيداعه فيه بسبب شبهات قوية بارتكابه جرما، أو أمرا بالاحتفاظ به للتحري والتوقي؟ والإحابة بالطبع بالنفي فالخضوع إلى أوامر القضاء يعتبر تجسيما لمبدأ من مبادىء دولة القانون وتحقيقا للعدالة.
ولكن للأسف أصبحت هذه المسلمات المتعاقد عليها يضرب بها عرض الحائط من قبل بعض الأقوياء وأصحاب النفوذ والمحتمين بالحصانة برلمانية وغيرها. فهم لا يتورعون على التمرد على القضاء (هل تذكرون ذلك التهجم الذي أتاه ذلك “النائبة” على وكيل الجمهورية بمحكمة سيدي بوزيد)، بل أخطر من ذلك صار عندهم هذا المرفق الحيوي مجالا يمكن نشر سلطانهم عليه أو استغلاله للإثراء غير المشروع.
وفي هذه المرحلة الجديدة التي تمر بها بلادنا بعد الإجراءات الدستورية الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية الفائت ليس هناك من خيار لتصحيح مسار البلاد سوى إعادة الروح لسلطان القضاء في إطار دولة القانون التي لا تميز بين المواطنين… والمتلبسين بجرائم، لهذا أطالب بالتالي : “اِرْمِي الكازي في الحبس”.
* ناشط حقوقي تونسي.
شارك رأيك