لماذا غيّرت حركة النهضة في تونس نبرتها التصعيدية وتنازلت (وقتيا ؟) عن اتهامها الرئيس السيد قيس سعيّد بجنوحه إلى الانقلاب على الشرعية الدستورية في الإجراءات الدستورية التي أعلن عنها ليلة 25 جويلية 2021 و التي تم بفعلها تجميد عمل مجلس الشعب و إقالة رئيس الحكومة و رفع الحصانة عن النواب – مما يفتح الباب أمام محاكمتهم القضائية ؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
هل توجّست حركة النهضة خيفة أن يحصل لها ما حصل لجماعة الإخوان المسلمين في مصر خاصة وأنها كانت فرعا من هذا التنظيم أو على الأقل منتمية إلى فكره قبل أن تعلن الانسلاخ عنه – وهو ما لم يتأكد أبدا للملاحظين ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تكتيكا سياسيًّا ومراوغة لتخفيف التوتر القائم أصلا بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة البرلمان المجمد؟ ولماذا يحرص الشيخ راشد الغنوشي على إعادة البرلمان إلى سالف عهده ويتمسك بضرورة أن يكون مجلس النواب في حالة انعقاد دائم خلال هذه الفترة؟ وما هي التشريعات والقوانين التي لا تنتظر خلال هذه الفترة الاستثنائية ولا بد من التعجيل بها؟ وهل الحركة مستعدة فعلا للتعامل مع الأحداث الجديدة التي طرأت على المشهد التونسي؟ ولماذا تأخرت في الاستجابة لمطالب التونسيين منذ عشر سنوات؟ ولماذا استفاقت الحركة اليوم على ضرورة التغيير ولم تبادر بذلك منذ فترة و لما كان الأمر ممكنا و الأوضاع لم تترد بعد إلى الهاوية التي وصلت إليها اليوم بسبب سوء حوكمتها بل و فساد قادتها كما يتهمها معارضوها و عدد كبير من التونسيين و التونسيات الذين نزلوا إلى الشوارع يوم 25 جويلية للمطالبة بحل البرلمان و إسقاط الحكومة و اعتدوا على مقرات الحركة باعتبارها المسؤولة الأولى على تردي الأوضاع ؟
دستور 2014 عكّر المشهد السياسي وأوقف الدولة عن العمل جملة وتفصيلا
يبدو أن المشهد السياسي التونسي يشهد كل يوم تغيرات جديدة، ودافعها في ذلك الحرص على عدم دخول البلاد في أتون صراعات حزبية أو أيديولوجية لأنها لا تتحمل ذلك في الفترة الحالية ولا في الفترات اللاحقة فهي كالرجل المريض الذي يصارع المرض ويبتغي الاستشفاء لا المريض الذي لا يرجى برؤه، وأعتقد أن البرنامج السياسي الحديث الذي نشأ أغلبه بعد الثورة مازال يعيش تذبذبا واضطرابا منبعه الخوف من الرجوع إلى الاستبداد والديكتاتورية، وهذا الخوف أثّر على كتابة الدستور التونسي وعلى مؤسسات الدولة الثلاث: الرئاسة والبرلمان والحكومة، إذ لم تكن هناك ضوابط صارمة ومحددة من البداية لتحديد المسؤوليات وتوزيع السلطات، فلا تكون في يد جل واحد ولا تكون مشتركة بين الجميع ولا تكون منقوصة في طرف وزائدة في طرف ثان، وما خُفنا منه قد حصل، رغم الاتجاه نحو النظام البرلماني وهو حصول الصدام المباشر بين هذه المؤسسات مما عكّر المشهد السياسي وأوقفه عن العمل جملة وتفصيلا.
وعليه فإن ما قام به رئيس الجمهورية من إصدار قرارات جريئة في زمن الاختلافات، وما حدث في الشارع التونسي من احتقان شديد على الطغمة الحاكمة في البلاد التي كانت تلهو ولا تحكم، وما حدث في البرلمان من مسرحيات ومسلسلات المشادات الكلامية والجسدية أثرت تأثيرا كبيرا على المتغيرات الجديدة والحديثة التي كانت ضرورية وكافية لحدوث هزة سياسية في البلاد تمنح نفَسا جديدا تعبق به السياسة التونسية، لكن ردة الفعل السيئة التي حدثت من حركة النهضة وغيرها من الأحزاب والاندفاع نحو اتهام الرئيس بأنه انقلابي دون تروٍّ وتأنٍّ دفع البلاد إلى صراع من نوع آخر، وكان ينبغي على الأحزاب أن تفكر مليا وتضع في حسبانها تونس الوطن قبل الحزب الذي تنتمي إليه أو موقف المجتمع الدولي.
الشعب التونسي يئس من الطبقة السياسية و خاصة من حركة النهضة التي تتصدرها
وأعتقد أن السبب الرئيس وراء اندفاع حركة النهضة إلى هذا الموقف المتشدد في البداية هو خوفها من تعرضها مما تعرض له الإخوان المسلمون في مصر، فحاولت أن تهيّج الشعب ضد هذه القرارات من خلال بياناتها وتصريحاتها من مسؤوليها وكذلك من حزب ائتلاف الكرامة وبعض الأنصار المتعصبين لكنهم لم يفلحوا، وحاولوا استمالة أكبر عدد من المنظمات الداخلية والخارجية ودول العالم إلا أن الاستجابة كانت ضعيفة، وهذا ما دفع النهضة بالدرجة الأولى إلى تغيير نبرتها الهجومية بعد أن كانت عنيفة جدا في البداية، وهذا ما جعل الشيخ راشد الغنوشي يقبل بالتنازل عن العرش إن صح التعبير ويدفع نحو الحوار مع رئيس الجمهورية للبحث عن طريق يُخرج البلاد من محنتها السياسية.
وربما يكمن الدافع الأساس أيضا نحو تغيير نبرتها في إصرار رئيس الجمهورية على مواصلة تحدي كل الفاسدين في الدولة، وتحقيق الكرامة للشعب التونسي الذي يراه أنه قد وصل إلى هذه المرحلة من اليأس من الطبقة السياسية نتيجة السياسات الخاطئة التي كان ينتهجها البرلمان والحكومة على حد سواء.
وبعد هذا التغير المفاجئ في الموقف النهضاوي هل يقبل رئيس الجمهورية التونسية بالعرض الذي قدمه الشيخ راشد الغنوشي وهل سيسمح للبرلمان الحالي بالعودة إلى عمله، أم أنه سيمدد الحالة الاستثنائية التي قاربت مدتها الأولى على الانتهاء لضرورة التريث في إصدار خارطة طريق للفترة القادمة،
هذا ما سنعلمه خلال الأيام القادمة لا سيما وأن مؤسسة الرئاسة تعمل ليلا نهارا للبحث في الوسائل الممكنة والطرق المناسبة التي ترضي الجميع وتخدم في المقام الأول الشعب التونسي، وأيا كانت نية حركة النهضة، فإذا كانت راغبة فعلا في الإصلاح والتقارب مع رئيس الجمهورية فإن ذلك يعد تطورا مهما في الحركة يحسب لها.
شارك رأيك