ليطمئن أهل الكهف من ساسة تونس الخضراء الذين وقفت عقارب ساعتهم في التسعينات من القرن الفائت، لن يضغط الأمريكان ولن يهددوا ولن يرعدوا ولن يزبدوا… أقصى أمنياتهم هو الحفاظ على علاقتهم الجيدة والمستقرة مع تونس… ولن تسعى واشنطن لفرض أي حكومة تعلم جيدا أنها ساقطة بفعل الشارع المنتفض.
بقلم رافع الطبيب *
أهل الكهف اصبحوا يفتون في السياسة … البعض ممن يتحدثون في السياسة “تجمدوا” في التسعينات وسقوط جدار برلين واجتياح العراق… بالنسبة لهم، لا زالت أمريكا تقرر وتهدد وتنفذ وتجتاح وتفرض رؤاها باعتبارها القطب الأوحد.
لن أرد على هذه الأطروحة المتهافتة ايديولوجيا، بل بالمعطى العلمي والتحليل الجيوسياسي وذلك بالاستناد إلى أشد الهزائم الاستراتيجية الأمريكية التي نشهد تفاصيلها أمام أعيننا … أفغانستان.
إن الهزيمة والانسحاب المذل لأمريكا التي تجمع خردتها من السلاح الفاشل وتترك مواقعها للمقاتلين الأفغان (ليسوا طالبان في أكثريتهم) لا تفرط في أفغانستان فحسب، بل تخلي المنطقة المحاذية لمرور طريق الحرير في جزئه الجنوبي والذي سيمكن القوة العظمى الصاعدة، الصين، من ربط مجالها الداخلي بالمحيط الهندي ومياه بحر العرب وتركيز أحد أكبر الموانيء في العالم : ڨاوادار.
الهزيمة الحقيقية للأمريكان هي عدم القدرة نهائيا على تهديد مشروع “الممر الاقتصادي الاستراتيجي الصيني – الباكستاني” والذي تكلف تنفيذه 46 مليار دولار على سبع سنوات.
وهذه الهزيمة ستكون مدخلا لإيران، الحليف الأكبر للصين، لإنجاز الجزء الشرق أوسطي لطريق الحرير والممتد من هيرات (عاصمة إثنية الهازارا الشيعة في أفغانستان) مرورا بإيران فالعراق فسوريا وصولا إلى بيروت. حينها، تكون الطريق سالكة لتشبيك الدول والشعوب بعيدا عن استراتيجيات الهيمنة الأمريكية.
لذلك، اطمئنوا، لن يضغط الأمريكي ولن يهدد ولن يرعد ولن يزبد… أقصى أمنياته هو الحفاظ على علاقته الجيدة والمستقرة مع تونس… ولن تسعى واشنطن لفرض أي حكومة تعلم جيدا أنها ساقطة بفعل الشارع المنتفض.
الخريطة : إحدى الوثائق التحليلية لمحاضرتي في المعهد الدولي للسياسات والعلاقات الدولية – باريس. تبين جيدا لماذا يدعم الصينيون والروس والپاكستانيون والإيرانيون المسلحين في أفغانستان لهزيمة أمريكا… وفي الأخير… هزموها.
* باحث مختص في العلاقات الدولية.
شارك رأيك