مجلس نواب الشعب التونسي المجمدة أعماله منذ إعلان الإجراءات الدستورية الاستثنائية من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 جويلية 2021 لم يعد كما يحلو لبعض النواب أن يسموه “سيد قراره” بل فوض الأمر ل”سيِّد قراره” الحقيقي صاحب السيادة (أي الشعب) لانتخاب ممثليه الحقيقيين في أقرب وقت ممكن ‘لى أساس نظام انتخابي جديد.
بقلم فتحي الهمامي *
1-سيِّد قراره” هي تسمية كان يطلقها المصريون على مجلس نواب الشعب عندهم وفي الأصل قيلت العبارة هكذا : “المجلس سيِّد قراره”.
وهذه الجملة كانت تجري وقتها على لسان رئيس مجلس الشعب في عهد حسني مبارك، وقد تَعَوَّدَ على إطلاقها رفضا منه لأحكام القضاء التي تُبطل عضوية أعضاء من الحزب الحاكم نتيجة الطعن في صحة انتخابهم بالتزوير أو لغيرها من الأسباب. ويعد ذلك الرفض بالطبع عدم تقيّد من قبل تلك المؤسسة بأحكام القانون.
2- مجلس الغُمَّةُ (أو الكُرْبة) هكذا سُمِّيَ المُجَمَّد عندنا. وهل ثمة عبارة أصدق منها للتبليغ عن ما يجيش في الصدور من غضب وحزن على هيئة حادت بالكامل عن دورها ووظيفتها، فعطلت حياة البلاد والعباد؟ والمُجمد يشبه تماما “سيِّد قراره” في خرق القانون والتلاعب به. ألم يَفْزَع رئيسه المُثَلَّج دفاعا عن نواب هم نوائب على البلاد لما اقترفوه من أفعال يجرمها القانون؟ فهو لم يقم أبدا بإجراءات رفع الحصانة عنهم ليمثلوا أمام القضاء بل ذادَ عَنهم وحَماهُم. وقبلها ألم يعقد مع رواد “البزنس” صفقة القرن لينصب نفسه “سيِّد قراره”؟
3- وفي فرنسا أيضا كان هناك “سيِّد قراره” (هو نفسه مثل المُجَمَّد عندنا منتخبا عن طريق النظام النسبي) وكان “الفاتق الناطق” زمن الجمهورية الرابعة فقد أعطاه دستور أكتوبر 1946 سلطات واسعة وحرية كاملة في إدارة الشأن العام، بما أنه قائم على النظام المجلسي (مثلنا بالضبط). فكانت الحكومات تتشكل وتسقط بقرار وبإرادة منه. لهذا عرفت فرنسا في فترة الجمهورية الرابعة الممتدة من 1946 إلى 1958 فوضى سياسية عارمة وعجزا تاما خصوصا في معالجة الأزمة الجزائرية والاستجابة إلى إرادة الجزائر في التحرر.
4- وقد مَاتَ “سيِّد قراره” الفرنسي وزَالت الحياة عنه في ماي 1958 بتولي شارل ديغول من جديد الحكم وانتقال فرنسا إلى الجمهورية الخامسة بدستور جديد. وبالمثل كان مصير “سيِّد قراره” المصري إثر انتفاضة الشعب المصري في فيفري 2011 وإسقاط نظام حسني مبارك.
أما “سيِّد قراره” التونسي فقد كان في حكم الميت قبل يوم 25 جويلية 2021، خاصة لما أشهرت محكمة المحاسبات سيفها ضده، قبل أن يعلن عن تعليق فوضاه وكف أذاه يوم 25 جويلية.
5- وفي انتظار ذوبان المُجَمَّد بفعل الحرارة المسلطة عليه، فإن الأمل يبقى معقودا أن يفوض ل”سيِّد قراره” الحقيقي صاحب السيادة (أي الشعب) الأمر في أقرب وقت لانتخاب ممثليه. ألم ينص إعلان حقوق الإنسان و المواطن للثورة الفرنسية أن “الأمة هي مصدر كل سيادة”؟ ولكن تلك السيادة لا يمكن أن تكون إلا مرتبطة بالدولة وحدها، ولا يُمكن أبدا تجزءتُها أو اقتسامُها كما عرفنا ذلك زمن المُجَمَّد فالسلطات داخل البلد الواحد لا تتقاسم السيادة، و إنَّما تتقاسم الاختصاص.
* ناشط حقوقي.
شارك رأيك