ما زالت السياحة التونسية تعاني العديد من المشاكل الداخلية و الخارجية و في كل مرة تضعنا الضربات الإرهابية على حافة الانهيار، حتى جاءت الجائحة الوبائية منذ سنتين و قضت على ما تبقى من أمل في إعادة القطار إلى السكة، و مع تحسن الوضع الصحي و محاولة القطاع النهوض ولو بصفة تدريجية يطالعنا خبر منذ أيام مفاده تنظيم رحلات سياحية إلى جهة طبرقة تحت مسمى “أيام للسياحة الإسلامية” تشبه الحج إلى الكنيس أو رحلات عمرة إلى القاع المقدسة.
بقلم توفيق زعفوري *
ما معنى سياحة إسلامية ؟ البحث في مصدر هذه المفاهيم و أصلها يعود بنا الى ما بعد الثورة و ظهور تصنيفات خارقة للمنطق و للعرف السياحي، هذا يسمى بنزل حلال و نزل غير حلال، يعني حرام! حتى أنه صار إلى تصنيف كاد أن يكون معتمدا من قبل وزارة السياحة و كادت أن تكون بذلك ماركة مسجلة باسم تونس.
سوء التنظيم و محاولة القفز على المهنة و تخبط الدخلاء
تونس العراقة السياحية تتحول بعد 2011 إلى ما يشبه العتبات المقدسة السياحية تماما كالوجهات السياحية الجنسية في بعض دول الشرق الأقصى، هذا المفهوم دنّس صورة السياحة و شوهها في مناسبات عديدة و لنا أن نتخيل كيف يمكن أن ننظم عطلة و إقامة في نزل ذي توجهات إسلامية قبل النبش في نوايا الزوار أو إجبارهم على الاستظهار بما يفيد حسن إيمانهم، و إن كان من شاربي الخمر أم لا، أي pass religieux .
الغريب أن سوء التنظيم و محاولة القفز على المهنة و تخبط الدخلاء جعل منهم عرضة لتتبعات أمنية أسفرت عن وجود مشتبه به خرق الإقامة الجبرية المفروضة عليه و بعد استيفاء الأبحاث معه و استشارة النيابة العمومية وقع إيداعه السجن.
النزل له طاقة استيعاب لا تتجاوز 420 سريرا، في حين أنه وقع إيواء، أكثر من 528، بالإضافة إلى إقامة مصلّى جماعي دون ترخيص في الوقت الذي يمنع فيه التجمع و يفرض فيه التباعد، في خرق واضح لكل البروتوكولات الصحية القطاعية.
سلوكات تمكينية يراد منها تغيير نمط النشاط السياحي
نحن إزاء تصنيف خارج التصنيف، منذ سنوات كنا نتحدث عن سياحة العائلات و نزل بدون كحول، ما يعني ضمنيا أن فرزا بين النزل الحلال و غير الحلال، النزل العائلية و النزل غير العائلية، دخل إلى ثقافة التونسي. بقي أن ننتظر آخر التصنيفات، نزل للإناث و نزل للذكور حتى تكون الصورة أكثر وضوحا.
كلها سلوكات تمكينية يراد منها تغيير نمط النشاط السياحي عبر إدخاله في دوامة اللاهوت، و الحلال و الحرام و الطيب و الخبيث…
أعلم اني سأتهم بالانحراف عن المقصود و التشجيع على الفجور و معاداة الإسلام و كل ما يمس من تعاليمه، عبر هذا الرأي المتمسك بطبيعة النشاط السياحي كما كان منذ سبعينات القرن الماضي، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال تحويل وجهة القطاع السياحي إلى وجهات ماوَرَائية نحن في غنى عنها، في الوقت الذي نحاول فيه التقريب بين الأجناس و الأعراق و الثقافات رفعة لصورة تونس و انسجاما مع ثقافتها المنفتحة على العالم…
* مرشد سياحي.
شارك رأيك