في هذه التدوينة التي نشرها في صفحته الشخصية على الفيسبوك بتاريخ 28 جويلية 2021 الكاتب يرى أن الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها يوم عيد الجمهورية الأخير قد تكون بداية مرحلة جديدة من البناء الديمقراطي على أرضية صلبة و الرخاء الاقتصادي و الإجتماعي.
بقلم منصف بن عبد الجليل *
تساءل بعض المثقّفين ومتابعي الشأن العام بتونس: ماذا سيحدث غدا؟ هل الرئيس مقبل بما قرّر (يوم 25 جويلية 2021 من إقالة رئيس الحكومة و تجميد عمل مجلس الشعب و رفع الحصانة عن النواب طبقا للفصل 80 من الدستور – قلم التحرير) على ترسيخ نظام استبدادي فرديّ يعتبر حتما عودة إلى الوراء، ويكون الرئيس من ثمّة جزءا من الثورة المضادّة؟ **
أعتبر هذه الأسئلة وجيهة ومقبولة. وأعتبر التعبير الصارخ على التخوّف الشديد جزءا مهمّا من رواسب النزعة الاستبداديّة التي عاني منها التونسيون فترة طويلة من تاريخ الدولة المعاصرة.
مقاومة الظلم، واستبداد الحاكم، والتمييز بين التونسيين
ولكنّي أريد أن أنبّه إلى جوانب يمنح التمعّن فيها شيئا من التفاؤل، ويقضي بأنّ القادم أفضل، وستكون تونس في وقت قصير من الدول التي ستستقطب الرأي العام الدولي وتثير إعجابه بما سيمسّى “بالمعجزة الاقتصاديّة”.
أوّلا: إنّ في خروج الناس للشارع في 25 جويلية ليس دعوة إلى الملوكيّة كما وهم السيد نور الدين البحيري اليوم على أمواج شمس أف أم. بل أعتبر ذاك الحدث مثيلا لخروجهم يوم 14 جانفي 2011، وإن اختلف السبب الظاهر. الشبه بين الحدثين مقاومة الظلم، واستبداد الحاكم، والتمييز بين التونسيين، وتقديم “مؤلّفة قلوبهم” ومواطنين حرموا من حق العمل، والصحّة، والمساعدة، واستئثار الطرف الحاكم بكلّ خيرات البلد. قال الخارجون لهؤلاء الحكّام الذين تمكّنوا من مفاصل الدولة: كفى. ووضعوا أمامهم علامة قف الصارمة.
غلبة “المواطنة” على التحزّب الديني والتحزّب بالتحيّل
إنّ الرئيس بما قرّر كان ومازال صاحب شرعيّة انتخابيّة واسعة، لم يبلغ إليها أعتى حزب يدّعي اليوم الأغلبيّة الشعبيّة. وأعتبر أنّ أبلغ درس من خروج التونسيين غلبة “المواطنة” على التحزّب الديني والتحزّب بالتحيّل على الفقراء والمحتاجين.
أعتقد أنّ الرئيس لم يقرّر هذا الذي قرّر ذات ليلة، وإنّما استشار الوطنيين من الداخل، ونال الموافقة من الدول العظمى، ولم يظهر دوليّا أيّ رفض ولا حتى استنكار لما قرّره الرئيس. والمفهوم أنّ الدول المانحة لن تعيق التعاون مع بلادنا وستواصل دعمنا بما أمكن. ولذا فلينم السيد رضوان المصمودي (القيادي في حركة النهضة – قلم التحرير) مرتاح البال لأنّ الولايات المتّحدة لن تعاقب تونس من أجل إصلاح الفساد السياسي الذي أصاب البلد مدّة السنوات العشر الماضية.
إنّ إقرار الرئيس اضطلاعه شخصيّا برئاسة النيابة العموميّة (و إن لم ينشر هذا القرار فيما بعد في الرائد الرسمي – قلم التحرير) سيخرج السرّ من مكمنه، سيشهد التونسيّون تطبيقا للعدل، وسيمنحهم مزيدا من الإيمان بمبادئ الرئيس الحقوقيّة والإنسانيّة. وإذا تفشّى الإيمان بالعدل واطمأنّت النفوس فسيعود التونسيّ الباذل إلى الإنتاج وتحقيق الازدهار.
إنّ توعّد الرئيس بمقاومة الفاسدين مقاومة قضائية عادلة دون تشفّ ولا تنكيل سيحقّق مبدأ العدل والمساواة معا. وهو ما يردّ الحقوق إلى أصحابها. وفي ذلك إصلاح جذري، ولذلك أثر نفسي في كافّة التونسيين.
ظهر الأمن التونسي وكذا المؤسّسة العسكريّة مؤسّستين جمهوريّتين رغم محاولة التلويث بالتحزّب والموالاة، وستكون المؤسّستان قادرتين على صيانة قيم الرئيس وجوهرها “المواطنة”. والرئيس واع تمام الوعي أنّه لا يمكنه أن يحيد عن الديمقراطيّة لأنّ المجتمع المدني، ولأنّ المنظّمات الكثيرة قد استوعبت الدرس السياسي وبات الأمر محسوما: لا عودة حتما إلى الاستبداد والحكم الفردي. فلتبحث الأحزاب العابثة عن غير هذه الترّهات.
لغو الانقلاب الذي تدّعيه الأحزاب الفاسدة لا معنى
اتّضح للجميع أنّ لغو الانقلاب الذي تدّعيه الأحزاب الحاكمة والفاسدة بالاستبداد لا معنى له، لأنّ القانون الدستوري ليس مسطرة تقاس بها الحدود، وإنّما القانون من حياة الناس يرافقها وينفعل بها، ويفعل فيها على نحو من الجدلية البنّاءة. وستدرّس التجربة التونسيّة مرّة أخرة في المعاهد الدوليّة. وظنّي انّ الرئيس قد صنع حدثا لا يختلف نوعيا عن الحدث الثوري الأصلي يوم 14 جانفي.
اتّضح لي وللخارجين ليلة 25 جويلية أيضا أنّ كورونا لم تعد تخيف كما يخيف التحايل على الناس بحكم استئثاري استبدادي أغرق البلاد في كثير من المزالق والمطبّات. خرج التونسيّون ولسان حالهم يقول: نقاوم اليوم سياسيينا الفاسدين المستأثرين بخيرات البلاد حتّى يعيش أبناؤنا غدا. أقول، والحصيلة هذه: لا خوف من غد. ولا استبداد في الأفق، ولا ضيم ولا ظلم. ولا يبقى إلاّ أن يشمّر التونسيّون على ساعد الكدّ وسينتجون معجزة اقتصاديّة سرعان ما تسدّد بها الإعانات المنهوبة والمهرّبة. ولم يبق إلاّ أن يردّ الشطّار والعيّارون ما نهبوا وما سرقوا وما حازوا بدون وجه حقّ… وما بقي إلاّ أن تراجع الوظائف التي سلّمت لغير أهلها وبدون وجه حقّ… ولم يبق إلاّ أن يعاقب من ظنّ الولاء الحزبي يحصّنهم من المحاكمة والمقاضاة… وإنّ غدا لناظره قريب. تونس بخير.
* أستاذ بكلية الآداب بسوسة – عضو بيت الحكمة.
** العنوان و العناوين الفرعية من وضع هيئة التحرير.
شارك رأيك