المدة التي حدّدها السيد قيس سعيد، بعد اتخاذه يوم 25 جويلية 2021 التدابير الاستثنائية لمواجهة حالة الفوضى التي كانت عليها البلاد، شارفت على الانتهاء، ويبدو من خلال كل المؤشرات أن رئيس الجمهورية سيُقدم على مدّ هذه المدة شهرا آخر أو أكثر حسب المعطيات التي يمكن أن تكون سببًا في التمديد ومبرّرًا معقولا ومنطقيًّا لتدارك الإخفاقات التي قد تحصل في المستقبل القريب، حيث كانت المدة الماضية غير كافية البتة لإجراء تحوّلات جذرية أو لإصدار قرارات لإصلاح المنظومة السياسية.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
رغم أن القرارات التي اتخذها السيد قيس سعيّد يوم 25 جويلية كانت ضرورية في الوقت الذي عاش فيه الشارع التونسي فترة من الاحتقان والتوتر الشديد إلا أنها لم تكن كافية، وكان لا بد من قرارات أخرى تصوّب المشهد السياسي المضطرب الذي عاش طوال عشر سنوات بين الأخذ والرد والجدال الشديد حول من يمسك الحكم وما هي صلاحياته وكيف يمكن أن يدير الدولة، وهل البرلمان هو صاحب اليد العليا في البلاد أم أن رئيس الجمهورية له فصل الكلام؟
التغيير في تونس واجب بعد حالة الكساد الكبيرة والتسيب الواضح
ومن خلال الثلاثين يوما الماضية كان رئيس الجمهورية في حركة دائمة وعمل متواصل، جذب إليه وسائل الإعلام المحلية والخارجية بعد أن كان في القصر يستقبل الوفود فقط ويوجّه بعض المسؤولين في الدولة، ولكنه اليوم أصبح يشعر بالمسؤولية أكثر وقد بدا مقتنعا أن التغيير في تونس واجب بعد حالة الكساد الكبيرة والحقوق الضائعة والتسيب الواضح الذي بدأ في المؤسسات الحكومية والخاصة، وكأن البلاد بلا راعٍ، فعندما تحكمها جهات متعددة تتشتت الجهود وتضعف الإمكانات وتهتز هيبة الدولة، وعندما تكون في يد واحدة قادرة على التغيير والتصويب تكون أفضل لا محالة لتوجيه البوصلة نحو وجهتها الصحيحة والحقيقية. وهذا ما يعمل عليه رئيس الجمهورية اليوم بعد أن فوضه الشعب التونسي للعمل من أجل إنقاذ تونس من الانهيار، ولعل نموذج لبنان كان كافيا للتعلم من الدرس وإخراج البلاد من محنتها.
وبعد تصريحات متتالية لرئيس الجمهورية تبين أن الرجوع للوراء وهْمٌ وأن ما تنادي بعض الأحزاب كحزب النهضة وائتلاف الكرامة سرابٌ لن يتحقق مجددا بل العمل من أجل محاسبة الفاسدين والمحتكرين والخارجين عن القانون والذين اتبعوا أسلوب التهريج والمشاكسة لتعطيل أجهزة الدولة هو عنوان الفترة القادمة ولا مجال للحديث عن رجوع الدولة إلى ما قبل 25 جويلية لأن ذلك يعد انتحارا وموتًا لهذه الدولة العتيدة التي عُرفت على مرّ تاريخها بأن شعبها يقف في وجه المستبدين والظالمين والفاسدين أيًّا كان توجّههم، وليس في قاموسه تعظيم إنسان مهما كان إذا لا يلتزم بما يريده الشعب ولا يحقق له أمانيه.
وبعد أن وجد رئيس الجمهورية أن الشعب التونسي يريد الإصلاح والتغيير، ومؤسسات الدولة كلها تقف إلى جانبه وأهمها المؤسسة العسكرية والأمنية، فهو يمضي بثبات في محاربة الفساد والتهريب والاحتكار بيد من حديد، وتبقى الإجراءات التي اُتخذت إلى حدّ الآن في صالح الشعب التونسي، وستؤتي أكلها وثمارها تباعا، مع تثبيت حكومة جديدة في القريب العاجل، والدعوة إلى كتابة دستور جديد للبلاد وانتخابات تشريعية جديدة تفرز مجلس نواب صالحا لخدمة الشعب التونسي. هذا ملخص التدابير التي سيتخذها خلال فترة التمديد، لأنه بعبارة بسيطة هو ملخص ما يريده الشعب من رئيس الجمهورية أن يحدث اليوم في تونس بعد حالة الجمود والتراخي التي عاشتها البلاد منذ عقد من الزّمان.
حركة النهضة وغيرها من الأحزاب تغرّد خارج السرب
وتبقى حركة النهضة وغيرها من الأحزاب المعادية لقرارات الرئيس تغرّد خارج السرب، من خلال إصدار بيانات تحذيريّة من هنا أو هناك، تبكي فيها على الأطلال وتعزو فشلها إلى سوء التقدير وتفسّر ما يحصل من تغيير بأنه من المؤامرات الخارجية والداخلية، وتحاول تأليب الشارع التونسي على قرارات الرئيس وبأنها غير دستورية وتقتل الديمقراطية. وما محاولاتها تلك إلا وسيلة لتبرير عدم قدرتها على صنع الديمقراطية في تونس بشكلها الصحيح بل إنها تحاول بطريقة أو بأخرى استرجاع ما ضاع منها من شعبية خلال الفترة الماضية، وكان الأصل أن تتبنى هذه الإصلاحات الجوهرية التي ينادي بها الشعب التونسي قبل تحرك رئيس الجمهورية. لكن أوانها قد فات وانتهى وتغريداتها ستبقى حبرا على ورق إذا ما استمرت على الوتيرة نفسها دون جدية في التغيير نحو الأفضل.
شارك رأيك