تصريحان معبّران مرّا مرور الكرام دون أن ينتبه إليهما أحد، تصريحان متشابهان ربما نسمعهما لأول مرة منذ نشأة حركة الاتجاه الإسلامي التي تحولت لاحقا إلى حركة النهضة، التصريحان صادران عن إثنين من قيادات النهضة و هما سمير ديلو و يمينة الزغلامى و الإثنان يتحدثان عن ما سمى “بحالة إنكار” اتبعتها قيادات مجلس الشورى فى تقييم و دراسة القرار الرئاسي بتفعيل الفصل 80 من الدستور و ما ترتب عن ذلك من تبعات على أكثر من مستوى لعل أهمها “إعطاء إجازة قسرية” لمجلس نواب الشعب و تجميد عضوية نوابه و هناك من يتحدث اليوم أن المجلس لن يعد بنفس التركيبة و ربما سيتم إسقاط كثير من النواب التي أكد تقرير محكمة المحاسبات أنهم نجحوا بفضل تدفق المال الانتخابي الفاسد.
بقلم أحمد الحباسى *
تعيش قيادة حركة النهضة حالة إنكار” للواقع و للأحداث و هي طريقة تدخل في أدبيات حركة الإخوان التي أسسها حسن البنّا تقوم على أن يرفض المنتمى لهذه الجماعة الاعتراف بوجود واقع جديد أو حقائق معلنة غير مرغوب فيها على الرغم من توافر أدلة موضوعية منطقية لا التباس فيها.
زواج المصلحة بين حركة النهضة و بين منظومة الإخوان المسلمين
بطبيعة الحال سبق لكثير من العقلاء من داخل الحركة و خارجها أن نبهوا قيادتها و بالذات الشيخ راشد الغنوشى إلى وجوب القيام بمراجعات جذرية عميقة و جدّية و ضرورة نبذ زواج المصلحة و التبعية بين الحركة و بين منظومة الإخوان المسلمين غير أن الشيخ لم يعط بالا لهذا المطلب الجوهري التي بات ملحا خاصة بعد دخولها للحكم و ثبوت ممارستها للعنف و المشاركة في مؤامرات خارجية في علاقة بالملف السوري.
لا تريد حركة النهضة اليوم الاعتراف و الإقرار بتغيّر الحال و الأحوال وبأن سوء نيّتها المتعمدة فى إقرار دستور أعرج مغشوش هي من تجعلها تدفع فاتورة باهظة ربّما ستؤدى بكيانها إلى الاضمحلال بل ربما إلى المحاسبة في ظل تصاعد النقمة الشعبية و الدعوات الملحة لفتح كافة الملفات الحارقة مثل ملفات التسفير و الاغتيالات و الجهاز السري و نهب الأموال و العلاقات المشبوهة مع أجهزة المخابرات إلخ…
لا يريد شيخ الإخوان الإقرار بحصول واقع جديد لا مكان فيه للإسلام السياسي
ربّما يعانى شيخ النهضة من حالة من “الإنكار” التام للواقع رغم صدور اتهامات علنية غير مسبوقة من كثير من قيادات الحركة تحمله كامل مسؤولية و تبعات ما حصل نتيجة لتعنته و غروره و صلفه و ثقته الزائدة في خبرته و مكره، لا يريد شيخ الإخوان الإقرار بحصول واقع جديد لا مكان فيه للإسلام السياسي و بالذات لحركة دموية سعت إلى هدم كافة مقومات و مؤسسات الدولة و دفعت البلاد إلى حافة الإفلاس على كل المستويات لتصبح تونس بلدا متسولا يعيش على الصدقات و الهبات الدولية.
أن يصدر التصريحان عن قياديين مهمّين في حركة الإخوان و بهذه العلنيّة غير المعهودة في أدب الإخوان فهذا دليل قوى على أن الحركة قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء و انعزلت تماما عن حالة الرفض الشعبي الصارخ و الذي تمت ترجمته في حرق مقرات الحركة في كامل البلاد و صدور دعوات شعبية بمحاسبة قياداتها و زجهم في السجون، لا يزال شيخ الإخوان يمارس أشكالاً أخرى من الإنكار فعندما يُضطر للاعتراف بخطأ أو مشكلة فإنه يسارع إلى إنكار خطورتها أو ينفى مسؤوليته عنها و هذا ما طفحت به كثير من تصريحاته و بيانات الحركة و يتحدث الكثيرون أنه طمأن أعضاء مجلس الشورى المزيف بكونه سيهزم ما سمّاه ب”الانقلاب” و يعود إلى قبّة البرلمان قريبا
و هنا تساءل البعض عن مغزى بعض التحركات و الاجتماعات المشبوهة التي تمت بين عناصر من الحركة و ربما أفرزت قرار اغتيال الرئيس بواسطة أحد الذئاب المنفردة المعلن عنه منذ يومين وهو ما سيقود البلاد ربما إلى تسلّم الجيش لمقاليد الحكم تجنبا لحرب أهلية و إلى حمام دم. لننتظر لنرى.
* كاتب و ناشط سياسى.
شارك رأيك