منذ 19 أوت 2021، أبرز الهياكل بوزارة الداخلية، وهي الإدارة العامة للمصالح المختصة، تحظى – ويا للمفارقة! – بتسمية أبرز الجلادين في “انتفاضة المناجم” في 2008 كمدير عام لها! وهل يمكن أن يغيب تاريخ الرجل عن ملفات وزارة الداخلية وأن يحتاج السيد رضا غرسلاوي المكلف بتسيير وزارة الداخلية (حتى لا يضلل الرئيس!) إلى من يكشف له عن “مآثر”منظوريه؟
بقلم القاضي أحمد الرحموني
قد قيل، كما يروج، ان “سامي اليحياوي قد أنصفته الدولة وان عصابة الحكم منذ 2011 عاقبته أشد عقاب وجمدته لأنه ليس من عناصرها الذين اخترقوا بهم وزارة الداخلية”. لكن هل تصمد الأكاذيب أمام الحقائق الموثقة؟
فلنبدا من البداية. نقل ان خريج كلية الحقوق ومحافظ الشرطة العام من الصنف الأول انتدب منذ 30 سنة بالإدارة العامة للأمن الوطني، وقد تدرج في مختلف المسؤوليات ليجد نفسه متقلدا سنة 2006 إدارة إقليم الشرطة بقفصة واستمر بها إلى غاية 2008 بعد مشاركته الفاعلة في قمع انتفاضة الحوض المنجمي، وبنهايتها تمت تسميته – للاستراحة – كملحق أمني بسفارة تونس بمصر.
مسيرة مهنية حافلة بالتجاوزات
وحتى قبل الانتفاضة يورد بعض المتتبعين لمسيرته انه “من أكثر الوجوه التي لعبت دورا في قمع الحركات الإحتجاجية بالجهة خصوصا ضد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل. في سبتمبر 2007 نظمت لجنة المعطلين بقفصة تحركا أشرف حضوريا على قمعه. واعتدى بشخصه على عفاف بالناصر وزكية عمروسية وغيرهما.”
“وفي 2008 وتحديدا بعد المحاكمات هو من نظم الإعتداء الشهير على عمار عمروسية في محطة لواجات قفصة (وائل نوار). ويستحضر بعض ضحايا القمع يومذاك ان سامي اليحياوي قد “مارس العنف ضد النساء والرجال كما لم يحدث من قبل وأردفه في الانتفاضة بإدارة جميع أطوار التذليل بفعاليات الانتفاضةو رموزها. كثيرات وكثيرون في الأوساط السياسية و الحقوقية والثقافية خبروا بطشه، وحتى القضايا المرفوعة ضده منذ تلك الأيام بقيت دون متابعة” (عمار عمروسية).
ويحتج العديد من أبناء الحوض المنجمي بتلك الوقائع وغيرها وبمعاناة “قافلة” من الضحايا والمتضررين: ليلى خالد زوجة بشير العبيدي وزكية الضيفاوي والمرحومة جمعة الحاجي زوجة عدنان الحاجي إضافة إلى”أولاد القضية” كغانم الشرايطي وهارون لحليمي وحفناوي بن عثمان والطيب بن عثمان وعبيد الخليفي وعادل الجيارة…
ونقرأ في صحافة ما قبل الثورة ان الرجل قد”لعب أدوارا بالغة الخطورة في قمع الحركة الاحتجاجية في الحوض المنجمي وفي إشاعة أجواء من القمع الأعمى في كل الجهة. وارتبط إسمه بكل الجرائم التي حصلت في المنطقة إبان المنعرج الأمني الأول يومي 7و 8 أفريل 2008او عند اغتيال هشام جدو او عند المنعرج الأمني الثاني يوم 6 جوان 2008 وما لحقه من مداهمات واعتقالات وتعذيب وحشي وصولا إلى محاصرة المدن المنجمية وخنقها وملاحقة النشطاء السياسيين والحقوقيين بمدينة قفصة والاعتداء عليهم وترهيبهم “(صحيفة البديل – 15سبتمبر 2009).
وتنقل ابنة عدنان الحاجي في هذا السياق ان سامي اليحياوي هو من “كان يدير قمع انتفاضة الحوض المنجمي في 2008 وهو الذي كلّف بمحاصرة منزلنا يوم 21 جوان 2008 و اقتحامه عند منتصف الليل مع جيش من البوليس و خلع المنزل و بعثرة محتوياته و إيقاف عدنان الحاجي و هو اليوم مطلوب للمحاكمة في دوائر العدالة الانتقالية” (عبير عدنان الحاجي).
لكن مع ذلك لم يثبت دون شك أن سامي اليحياوي قد خضع – لقاء تلك الممارسات الممتدة من 2006 إلى 2008 – لأية محاسبة جزائية أو تأديبية بل يتضح ان تلك الأفعال المنسوبة له لم يكن لها أي تأثير (سلبي! ) على مسيرته المهنية!
الإفلات الدائم من العقاب
ورغم ان الانتهاكات الجسيمة المنسوبة له في لائحة الإتهام عدد 13 الخاصة بملف أحداث الحوض المنجمي بقفصة والصادرة عن هيئة الحقيقة والكرامة بتاريخ 29 ماي 2018 تكتسي خطورة بالغة، يبدو أن سامي اليحياوي قد كان ولا يزال يتمتع بحماية خاصة أهلته إلى أرفع المناصب!
واستنادا إلى نص اللائحة المنشورة من قبل هيئة الحقيقة و الكرامة والمحالةعلى الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقفصة (التي من المفروض ان يحاكم أمامها المطلوب)، فإن سامي اليحياوي متهم طبق الحيثيات المضمنة بلائحة الإتهام بجريمة التعذيب موضوع الفصل 101 مكرر من المجلة الجزائية وانه رغم قيام ما يكفي من الحجج والقرائن لاتهامه بذلك فإنه لم يحضر وتعذر استدعاؤه، كما امتنعت وزارة الداخلية عن موافاة هيئة الحقيقة و الكرامة بعنوانه الشخصي رغم مراسلتها بخصوص ذلك.
ويتضح من مضمون السماعات التي أجرتها الهيئة ان شهادات متضافرة لعدد من الضحايا (محمد بن عامر بن سليمان، غانم بن بوجمعة الشرايطي، رضا بن صالح عزديني، مظفر العبيدي، محمد بن سليمان) قد أكدت صدور أفعال بشعة من أساليب التعذيب بحق الضحايا سواء من قبل سامي اليحياوي شخصيا أو بحضوره. وتورد اللائحة تفاصيل مقززة عن بعض ممارسات التعذيب التي كانت تقع مباشرة من الفاعلين أو تحت إشرافهم (تعليق، تعرية، إغراق، إضاءة شديدة، تعذيب جنسي)، فضلا عن تزوير اعترافات الضحايا بمحاضر البحث.
فهل يمكن ان نجد لهذه الأعمال تبريرا؟ وان يتمكن هؤلاء، لا فقط من الإفلات من العقاب بل نراهم يؤتمنون على مصائرنا وأمننا “الجمهوري”؟!
شارك رأيك