يبدو أن حركة النهضة تعيش أسوأ أيامها بعد أحداث الخامس والعشرين من جويلية 2021، إذ لم تكن تدري أنها ستتلقى صفعة قوية من الشارع حينما خرجت الجموع تنادي وتطالب رئيس الجمهورية السيد قيس سعيّد بحل البرلمان، وحينما هتفت بإعفاء الحكومة التي يقودها السيد هشام المشيشي آنذاك من مهامها، وعندما سئمت من الوضع الذي عليه البلاد من انهيار كلي على جميع المستويات، وطالبت الرئيس كذلك بمحاسبة الفاسدين وإشهار العصا الغليظة في وجوههم.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
إثر هذه الإحتجاجات ارتبك المشهد الداخلي للحركة وكأن الأمر نزل كالصاعقة، فقد كانوا يتوهمون ما حدث ويحدّثون أنفسهم بأن الشعب سينتصر للديمقراطية ونسُوا بأن الشعب إذا جاع أو عرى لا يفهم معنى الديمقراطية، لأن الديمقراطية وحدها لا تصنع الشعوب إذا لم تغذّها الدولة بتوفير ما يحتاجه الشعب من مؤونة كافية ومسكن ملائم ووظائف للشباب الذي يضيع من بين أيدينا ومن خلفنا ليلا ونهارا على طوافات الموت التي تجوب البحار والعواصف والأمواج والرياح شادّين الرّحال نحو أوروبا التي يرون فيها الملاذ الأخير.
الديمقراطية الشكلية وحدها لا تصنع الشعوب
لم تكن حركة النهضة كما يبدو وكما هو مشاهد للجميع أنها مستعدة لهذا الزلزال الذي بعثر أوراقها، ولم تعد قادرة على الصمود كثيرا، فكانت بياناتها الواحد تلو الآخر يشوبها الاضطراب والخوف من المستقبل مع نبرة كانت في البداية تتسم بالثقة بالنصر والتمكين وإرجاع دواليب الحكم إلى سالف عهدها، ثم بدأت تهدأ شيئا فشيئا، وتطالب الرئيس بالرجوع للوراء والتقاط الأنفاس، وتصف المشهد الذي حدث بالانقلاب، غير أنه سرعان ما تغيرت مع الزمن لتتحول إلى نبرة خوف مما سيقع، وخوف من المستقبل، ومن ضياع الديمقراطية التي تأسّفوا جدا لفقدانها، لكن عن أي نوع من الديمقراطية يتحدثون؟
وعندما اشتد الحال وبان الجِدّ وظهرت دُرّة عمر بن الخطاب ومتابعة كلّ من كان مسؤولا عن ضياع المال العام، سواء كان المسؤول صغيرا أو كبيرا، ينتمي لحزب أو خارج الأحزاب، ذا مال أو ذا منصب رفيع، كل ذاك ذاب أمام سلطان العدل والمحاسبة والمراقبة، وتغيّر وجه البلاد على إثر ما حدث وعلى إثر هذه الإجراءات الجديدة، ورغم تخوّف الأحزاب والمنظمات المحلية والعالمية من سلطة الواحد والميل نحو الدكتاتورية إلا أن رئيس الجمهورية في كل مرة يطمئن الجميع أن الحريات مكفولة ولا مجال للمساس بها، بل إنه يدعو إلى ترسيخ هيبة الدولة من جديد بعد أن فقدها الشعب التونسي منذ سنوات مع العمل على إرجاع كل الأموال المنهوبة طوال أكثر من ستة عقود.
حركة النهضة غير قادرة على استيعاب كل ما جرى
وعودًا لحركة النهضة وتأثّرها بما حدث، فإن رئيسها أيقن هذه المرة أنها غير قادرة على استيعاب كل ما جرى، فازدادت خلافاتها من الداخل خاصة بين الصقور والحمائم، بين من يطالب بالتغيير والإصلاح الجذري، وبين من يصرّ على البقاء على العناصر التي قادت الحركة منذ الثمانينات، وبقي الشباب في حلبة الصراع بين هذين الفريقين، حتى أدرك الجميع أنهم أمام واقع جديد يتطلب التدخل السريع، وبقي الحزب في حيرة وقلق واضطراب إلى أن توصّل رئيسها الشيخ راشد الغنوشي إلى قرار أعفى بموجبه كل أعضاء المكتب التنفيذي لتضع الحركة نفسها أمام تاريخ جديد من اللا انسجام واللا توافق واللا تناغم.
وقد نتج عن هذه الاهتزازات الداخلية، استقالات وانسحابات ومناكفات وصراعات لا تبشر بخير على المدى الطويل، فبعد أن تربّع الحزب على الحكم وعمل في السنوات الماضية على سياسة الإمساك بالعصا من الوسط ميلا إلى اليمين أحيانا كما حدث في عهد الباجي قايد السبسي وإلى الشمال أحيانا كما حدث بعد الانتخابات الرئاسية حين فضّلت حزب قلب تونس على التعاون مع رئيس الجمهورية، وقعت في مطبات كثيرة ظنت أو توهمت أنها تُنقذ الديمقراطية، غير أن ظنها خاب هذه المرة وأوقعها في مشاكل لا تُحصى ولا تُعد.
النهضة على درب نداء تونس
ومن ثم تبدو القراءة لهذا الحزب تشاؤمية في الأفق القريب، حيث تدل المؤشرات أنه لن ينجح هذه المرة في تجييش الشارع التونسي، ولن تكون له الكلمة العليا في البلاد، وربما يقع فريسة في يد الأحزاب الأخرى التي سارعت النهضة إلى التحالف معها كحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة وغيرهما، وبالتالي قد يحدث له ما حدث لحزب نداء تونس الذي بدأ قويا متماسكا يرأسه الباجي القايد السبسي وأوصل صاحبه للرئاسة في 2014م لكن بمجرد انسحاب السبسي منه انهار وتفكك لأن الولاء لم يكن للحزب بقدر ما كان للشخص، وهكذا يبدو حزب النهضة قد يتداعى شيئا فشيئا ويتفكّك في الأيام والشهور القادمة، لأنه فقد عناصر التماسك والتناغم والتوافق.
ورغم هذه النظرة التشاؤمية لهذا الحزب وما يمكن أن يقع من خلال المؤشرات التي تتراءى يوما بعد يوم، لأن مؤسسة الرئاسة مصممة على المضي قدما نحو تغيير المشهد السياسي برمته، وبالتالي لن يكون هناك رجوع إلى مجلس النواب القديم ولا إلى الحكومة على المنوال التي كانت عليه، فإن حزب النهضة اليوم أمام أمرين فإما أن يتكيف مع الواقع الجديد برؤى واقعية ومنطقية وتعاون مع مؤسسة الرئاسة، وإما أن يصطدم بالتوجهات الجديدة ولا يقوى على صدها فيتفكك ويندثر.
شارك رأيك