حركة النهضة تمشى منذ نشأتها ضد التيار و تحاول شراء ضمائر السياسيين بالمل الفاسد و إرهاب الإعلاميين بحملات التشويه الممنهجة و لكنها مهما فعلت و مهما دفعت و مهما بددت من مال مجهول المصدر لن تتمكن من تأسيس دولة الخلافة أو جمهورية الإسلامية التي يحلم به قادتها الذين تقيأهم الشعب التونسي بما فيه عدد كبير من منتخبيهم التائبين و النادمين.
بقلم أحمد الحباسي *
علاقة حركة النهضة منذ نشأتها بالإعلام التونسي كانت و لا تزال متشنجة، في البداية كان الصراع خفيا إلى حد ما و لكنه احتد منذ صعود الحركة للحكم و بمجرد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن على سنة2011، كان الإعلام التونسي في طليعة المستهدفين إضافة إلى جهاز أمن الدولة و مؤسسات الأمن بكل فروعها.
حملات حركة النهضة استهدفت أول ما استهدفت المؤسسات الإعلامية التونسية
هذا الاستهداف كما يشير إليه كثير من المحللين كان محسوبا و مخططا له بدقة شديدة من قيادة الحركة و من جهازها العسكري السري الذي أوكلت إليه مهمات التخطيط لإسقاط مؤسسات الدولة و تفخيخها لتسهيل عملية إنهاكها و إضعافها و القضاء عليها في الوقت المناسب، لأجل تحقيق ذلك تعاملت الحركة مع الإعلام و مع المشهد الإعلامي بطريقتين مختلفتين لكنهما تؤديان إلى نفس الهدف المطلوب و لعل الجميع يتذكر تلك المظاهرات العنيفة المشبوهة التي أثثتها الحركة في ساحة القصبة و أمام مقر التلفزيون العمومي بقصد حرقه و ترهيب العاملين فيه و التي كادت تتطور إلى ما لا يحمد عقباه.
لقد عمل الجهاز التنفيذي السري لحركة النهضة بمعية قناة الجزيرة القطرية و كثير من المحطات التلفزيونية التابعة لجهاز الإخوان العالمي إضافة إلى كثير من الأقلام و المحللين المحسوبين على تيار الإسلام السياسي الذي تولى قيادته داعية الفتنة التكفيرية الشيخ يوسف القرضاوى و كثبر من عمائم ما يسمى بهيئة علماء المسلمين على إعداد حملة شعواء استهدفت رجال و نساء المؤسسة الإعلامية التونسية بكل عناوينها المرئية و المكتوبة.
في هذه الحملة تم التركيز على تشويه هذه المؤسسة و إلحاق التهم و الأراجيف بكل من انتمى إليها و تبع هذه الهجمة العنيفة سيولا من عمليات التخويف و الترهيب المباشرة لمجموعة كبيرة من الإعلاميين و كانت هناك دعوات صريحة لتكفيرهم و الانتقام منهم تحت شعار بائس تم استدعاؤه للمناسبة اسمه “إعلام العار”.
حركة النهضة نشرت قائمات لأسماء الإعلاميين المستهدفين بحملاتها المستعرة
نحن نتذكر طبعا ما كان ينشر في مواقع الكترونية تابعة لحركة النهضة من قائمات لأسماء الإعلاميين المستهدفين في غياب تام لسلطة الدولة و لأصوات ما يسمى نفاقا بهيئات المجتمع المدني و دكاكين حقوق الإنسان إلا من رحم ربى و كان نشر تلك الأسماء بمثابة دعوات مبطنة لاغتيالهم.
بطبيعة الحال كان في حلم قيادات حركة النهضة الاستئصاليين أنهم باقون في الحكم إلى أبد الآبدين و مستمرون في حلم إنشاء الخلافة السادسة و هذا المشروع الذي عمل عليه الإخوان منذ نشأة هذا التنظيم على يد شيخهم المرحوم حسن البنا في مارس سنة 1928، لكن لنطرح السؤال : هل يمكن لحركة النهضة تأسيس دولة “دينية” بدل هذه الدولة المدنية القائمة منذ الاستقلال ؟
بطبيعة الحال الجواب ليس بلا فقط بل بمستحيل لأن هذه الحركة تمشى منذ نشأتها ضد التيار و لا يمكن تأسيس دولة بالمال المشبوه الذي يأتي من تجارة المخدرات و السلاح و الرقيق الأبيض و بيع الأعضاء البشرية و بيع الوطن للأعداء.
هل يمكن تأسيس دولة بالارتماء في أحضان دول متآمرة و الانتقال من حضن هذه الدولة إلى حضن تلك الدولة الأخرى و هل يمكن إعلان الاستقلال بتلقي الأوامر من السفارات و أجهزة المخابرات الأجنبية؟
لقد رفضت حركة النهضة إلى الآن تفهم أنه لن يكون لها علم في هذا الوطن بل أنها لم تفهم أن الأغلبية لديها علم و تنضوي تحت علم دولة مدنية قائمة الذات في حين أنه لن يكون للحركة راية بل أن قيادتها و من انتسبوا إليها سوف يواصلون الظن أن قطعة قماش يضعونها على مكاتبهم و في جحورهم هي علم يستحق الشهادة و التضحية من أجله.
النهضة كونت جيشا من الموتورين للقيام بحملات تشويه لمعارضيها
تفيد عدة تقارير و آخرها تصريح الوزير السابق محمد عبّو أن حركة النهضة هي من تموّل بالمال الفاسد عدة قنوات تلفزيونية من بينها قناة نسمة و قناة حنبعل إضافة طبعا لعدة محطات أخرى و مواقع الكترونية و تؤكد الأبحاث الجزائية المفتوحة أخيرا أن الحركة قد ضخّت الملايين و أبرمت عقدا مع شركة أمريكية لتبييض و تلميع صورتها كما تؤكد تصريحات قيادات من الحركة نفسها مثل حاتم بولبيار أنها وضعت الطابق الرابع من مقرها بمونبليزير على ذمة جيش من الأنفار الموتورين بالمال للقيام بحملات تشويه لمعارضيها و تضليل للرأي العام.
في هذا السياق الخطير قامت الحركة و أنصارها في العالم بتأسيس عدة قنوات فضائية و مواقع الكترونية و صحف ورقية و كثير من المجلات الدورية فضلا عن عشرات الصفحات الاجتماعية، إلى جانب صحيفة الحزب الرسمية “الفجر” وبعض وسائل الإعلام المحلية الأخرى و التي تحولت بعد 14 جانفي2011 إلى صف الحركة، غير أن مسألة استقلالية هذه المنظومة الإعلامية قد سقطت لأن المواطن قد اكتشف ميول هذه الدكاكين دون التعمق في خطابها أو عن الانتماءات السياسية للقائمين عليها، و التي تكشف بسهولة تامة و واضحة الخطوط التحريرية المشبوهة لهذه الفقاقيع “الإعلامية”.
نحن نريد أن نسأل مرشد حركة النهضة هل يصدق حقا أنه سيكون له دولة “دينية” تسمى دولة الخلافة؟ هل أن ما حصل في مدينة بن قردان لم يكن كافيا ليراجع حساباته طولا و عرضا بعد أن تبين أن تونس لن تكون حاضنة لثقافة الموت و دعاة تخريب الأوطان و هدم الحضارات الإنسانية و بالذات هؤلاء الذي يرفعون خرقة سوداء لا تختلف في لونها القبيح عن لون ضمائرهم. كيف لهؤلاء الحمقى أن يصدقوا أن هذا الشعب سيتخلى عن مكاسب الدولة المدنية المتحضرة ليجرى وراء سراب أوهام و تخاريف صنعها أبالسة الشر في هيئة يوسف القرضاوى و ذويه من دعاة التضليل الديني؟ هل صدق المرشد أنه سيصبح يوما الخليفة السادس في إفريقية ؟
ربما بني المرشد أحلامه على الأوهام دون أن يدرى و ربما لم يتفهم لحد الآن أنه لا مكان لفكر التخلف و العودة للوراء أن يقوم في دولة أغلب العاطلين فيها عن العمل من أصحاب الشهادات العليا و في كل يوم يهاجر منها مئات الأطباء و المهندسين، ليبقى السؤال هل ستشكل القرارات الرئاسية التي أعلنها الرئيس ليلة 25 جويلية الفارط ملحمة بن قردان سياسية جديدة تؤكد مرة أخرى أنه لا حاضنة سياسية و انتخابية لدعاة ضرب الدولة الوطنية.
* كاتب و ناشط سياسى.
شارك رأيك