في التدوينة التالية الكاتب يتساءل عن سبب ضعف قرارات مجلس المنافسة و عدم قدرته على الحسم في مسائل الاحتكار و الوفاق بين الفاعلين الاقتصاديين الذين لا يحترمون مبادىء المنافسة الشريفة و يجدون في السلطة التنفيذية و بالخصوص في وزارة التجارة التفهم و الحماية و التبرير لتجاوز القانون.
بقلم فوزي بن عبد الرحمان *
كثر النقاش هذه الأيام حول مجلس المنافسة و حمّله الكثيرون مسؤولية وضعيات الاحتكار و المضاربة السائدة.
الحقيقة ان المجلس لا يؤدي الدور المنوط بعهدته بإرادة سياسية حدت من تأثير قراراته. من الظلم تحميله ما ليس من مسؤوليته.
مرت بالمجلس كفاءات محترمة كانت لها عدة قرارات جريئة قبل و بعد الثورة. ما يعيق عمل المجلس أن قرارتها تصبح غير نافذة بمجرد الاعتراض لدى المحكمة الإدارية و التي تستدعي إجراءات الإستئناف بها سنين طويلة تجعل من قرارات المجلس حبرا على ورق خلافا للقرارات الجبائية النافذة على سبيل المثال ومن غير المفهوم لماذا لا تكون المحاكم العادية هي المحاكم الاستئنافية أو حتى لماذا لا تكون دائرة استئنافية بالمجلس.
مؤسسة تحت مراقبة السلطة التنفيذية
مجلس المنافسة ليس سلطة كما هو الحال في بلدان متقدمة أخرى، في تونس هي مؤسسة تحت مراقبة السلطة التنفيذية و هذه السلطة هي المسؤولة الأولى في تطبيق قرارت المجلس و هي في الغالب ترفض ذلك.
وزارة التجارة هي الوجه الخفي للسياسات العمومية للحفاظ على المنوال الحالي و توازناته و هي الراعي الرسمي لاقتصاد الريع. لكم فيما يلي مثال صارخ تجدون مؤيداته في التعليقات المصاحبة. شكوى قامت بها جمعية الدفاع على المستهلك لمجلس المنافسة ضد الجامعة الوطنية للمواد الغذائية و ضد 25 شركة في تصنيع الطماطم تتقدمهم شركة رئيس اتحاد الصناعة و التجارة بنفسه. و كان قرار المجلس (36 صفحة) بإعتبار كل الشركات باستثناء واحدة خالفت قوانين المنافسة.
المسألة لم تتوقف عند هذا الحد.. تدخل وزير التجارة في الإعلام مصرحا أن ذلك الوفاق وقع تحت إشراف وزارة التجارة. هذا هو بيت القصيد… و زارة التجارة هي وزارة الدفاع علي “المنافسة التوافقية”. و هي لا تتحرك مع علمها بكل التجاوزات و كل مسالك الاحتكار في كل المجالات.. و لكم في مثال مسألة الحديد أحسن مثال… و لكم أن تتسائلوا لماذا لم ترفع وزارة التجارة طلبا لمجلس المنافسة للتحقيق في شبهة الاحتكار في حديد البناء مع علمها بوجود إشكال حقيقي؟
السياسة “الاستعراضية” رئيس الدولة ضرورية لكنها لا يكفي
و إني أرفع كل التباس فكلامي يهم المؤسسة و سياساتها و لا على مسؤوليها. فالمسألة التي تهمني هي بنيوية بالأساس.
سياسة رئيس الدولة “الاستعراضية” ضرورية لأنها تجعل الخوف ينتقل إلى معسكر الفساد و لكن هذا لا يكفي… لا بد من تناول ملف الاقتصاد الريعي و ملف المنافسة الحرة بجدية كبيرة و بكثير من العقلانية و بعيدا عن أضواء التلفزة و لا بد من تغيير التشريعات و النصوص و إعادة النظر في هياكل التنظيم و المنشآت و هذا هو دور الحكومة التي ننادي بها…
من هو وزير التجارة المثالي في تقديري؟ هو من سيقول : “برنامجي هو إلغاء وزارة التجارة و ديوان التجارة و إبقاء مؤسسات التشجيع على التصدير و تطويرها فقط”.
* وزير سابق للتكوين و التشغيل.
شارك رأيك