من الأفضل للرئيس قيس سعيد أن يحب من ينصحه لا من يمدحه فكلمات النصح أو النقد هاته هدفها الوحيد تصحيح المسار وتثبيته لا الانتقاد و تسجيل النقاط أو مد طوق نجاة لمن جثموا على البلاد لمدة عشر سنوات و منه فإننا نتمنى صادقين التوفيق لشعبنا التونسي ولرئيس الدولة لبلوغ المنتهى خدمةً لمصلحة الوطن و المواطن.
بقلم طه عبد القادر العلوش *
بعد مرور أكثر من 40 يوما على دخول الفصل 80 من الدستور حيز النفاذ من قبل الرئيس قيس سعيد، مرّ جَمْعُ الفاعلين السياسين بكل التقلبات الممكنة من الرؤيا الى الحلم أو حتى إلى بعض أضغاث الأحلام … ليجد الجميع أنفسهم على هامش المشهد السياسي الجديد فحتى من ظنّ نفسه لاعبا أساسيا أو ذا حظوة لقيادة المرحلة اكتشف ولو متأخرا انّه مجرد متفرج و إن حظيَ بمكان في المنصة الشرفية فهو يبقى مجرد متابع للفاعل الأوحد الوحيد، لا يقوى على التأثير و الاقتراح أو حتى على التفاعل الآني في أحيان كثيرة… لتنحصر بذلك استتباعات 25 جويلية 2021 إلى حدود اللحظة في مجرد عملية فرملة وكبح جماح منظومة فاسدة و منفلتة صحيح انها مكنتنا من تفادي إنزلاق خطير مؤقتا و لكن لم تبعدنا حتى الان عن حافة الهاوية بوضعنا على مدار الإصلاح المستقر.
تدبر العبر في إقتران وتلازم السميع بالبصير…
بعيدًا عن النوايا الطيبة للرئيس و نزاهته التي تبقى إلى حد اللحظة حجر أساس الثقة و المشروعية الشعبية الممنوحة له… بيد أنه يؤسفني سيدي الرئيس إعلامكم اننا دخلنا مرحلة العبث الهاوي و المراهقة الشعبويّة حيث أنه لا يمكن للدولة تحترم نفسها و تعهداتها داخليا و خارجيا ان تسيّر من قبل ديوان رئاسي من الوزن الخفيف على مستوى العدد وخصوصا الكفاءة و القدرة على فهم مقتضيات الدولة فاستشراف المرحلة المقبلة يسرا و عسرا و إدارة دواليب الدولة من بعض ذوي المنزلة بين المنزلتين من المكلفين بالتسيير (وزراء الشبه شبه…) لا يعدو أن يكون إلا حلا ترقيعيا دون الأدنى المطلوب للاستجابة إلى تحديات المرحلة و إكراهات الواقع.
السيد رئيس الجمهورية، الوضع الداخلي استقرت فيه موازين القوى بالكامل لصالحك قبل التمديد و بعده فلماذا التردد!؟ الوضع الإقليمي و الدولي كذلك فرغم زئبقيته إلا أن تطورات الأسبوعين الآخرين جاءت لتعزز موقفكم حتى و إن لم يكن تأيدًا بواحا… فقد ارتقى إلى مرتبة غضّ البصر فلما التردد!؟
إن الإمعان في العناد سيقلب المعادلة من جديد… بل سيعيد أسوء ما في منظومة العشرية المغدورة…
أحبب من ينصحك لا من يمدحك
الآن وهنا وقد تمكنتم من المسك بمقود الدولة… حذاري ثم حذاري من نسيان تشغيل المحرك أو الإبطاء في ذلك… فميكانيزمات الدولة و دينامية الحكم تمر حتما عبر وضع حكومة مستقرة مكتملة الصلاحيات و ضبط خطّة عمل توضح الصورة للفاعلين داخليا و للشركاء خارجيا. فإن العقل البارد للدولة هو الخيط الرفيع الذي يفصل بين حكم الفرد و الممارسة المؤسساتية للحكم فالدولة إذن لا تعترف بالعواطف أو الرغبات أو شهوات الحاكم انما رائدها الأسمى في ذلك هي المصالح العليا للوطن و المواطن استمرارًا فاستقرارًا ثم نموا وتقدما…
في هذا المضمار قال باولو كويلو : “إن الإنسان الذي لا يعرف أن يصغي لا يمكنه سماع النصائح التي تغدها الحياة في كل لحظة.”
الخطاب الفصل
يعيد الرئيس سعيد ويكرر منذ 25 جويلية الفارط على مسامع المواطنين وآخرها البارحة عند استقباله المكلف بتسير وزارة الصحة السيد علي المرابط، وعده بتوضيح كل مايتعلق بظرف الإستثناء الساري حاليًا بالبلاد التونسّية من المقتضيات الي المدّة وخاصة الى آليات عودة السريان العادي للدواليب الدولة التي تبقى الهدف الأساسي للفصل 80 من الدستور… لكن هذا التأخر المستمر أدخل تخوفا من المستقبل المجهول حتى على من استقبلهم الرئيس سعيد مأخرًا و إن ساهمت الكمامات في تغطية ملامح التوجس على وجهوههم.
نأمل أن يطفىء هذا البيان المنتظر تعطش الخارج و الداخل لانقشاع هذه الضبابية على خطة الرئيس حيث يمر ذلك حتما عبر الإجابة عن أهم سؤال يراود الجميع أي كيف يمكن تحويل المشروعية الشعبية و المافوق دستورية إلى شرعية دستورية جديدة؟ و بالتالي سحب البساط من المتاجرين بالشكلانية القانونية و المنظرين لها.
كما نرجو أن لا يقتصر هذا الخطاب على مجرد إرساء قواعد اشتباك جديدة مع الداخل تحت ضغط الخارج الذي بدأ يستعمل الورقة الحقوقية كسلاح تأثير خاصة و قد ساهمت هِواية بعض المحيطين و المقربين من دائرة الرئيس في إعطائهم السوط للقيام بذلك عبر ارتكابهم أخطاء تكتيكية فادحة في بعض ملفات الحقوق والحريات والتظاهرات المستجدة على الساحة في الآونة الأخيرة.
المنجز المنتظر
رغما عن كل ما سبق تبقى ثقتنا في نزاهة الرئيس قيس سعيد واستقامته عالية لتحقيق الْمُؤَمِّلِ من انتظارات التونسين خاصة بعد العبور بمرحلة التلقيح المكثف بنجاح و اقتدار لتكون البوصلة الآن متجهة نحو الملفيّن الإقتصادي و الإجتماعي و اللّذين راواحا مكانيهما طيلة العشرية الأخيرة و يمر هذا ضرورة عبر إعادة عجلة الإنتاج و خلق الثروة للدوران من جديد ثم المرور تباعا لقلب المعادلة السابقة من اقتسام السلطة إلى اقتسام الثروة بإنصاف…
في كل الأحوال دربنا اليوم وان كان وعراً أو مجهول العواقب أو محفوفا بالفخاخ فإنه أفضل بألف مرة من الطريق السابق المسدود و إن كانت طريق سيارة.
في نهاية المطاف، سيدي الرئيس أحبب من نصحك لا من يمدحك فكلمات النصح أو النقد هاته هدفها الوحيد تصحيح المسار وتثبيته لا الانتقاد و تسجيل النقاط أو مد طوق نجاة لمن جثموا على البلاد لمدة عشر سنوات و منه فإننا نتمنى صادقين التوفيق لشعبنا التونسي وللرئيس قيس سعيد لبلوغ المنتهى خدمةً لمصلحة الوطن و المواطن.
* طبيب ونشاط سياسي.
شارك رأيك