لا شك أن التغيير الذي حصل في تونس يوم 25 جويلية 2021 مهم للغاية بعد أن وصلت البلاد إلى مرحلة من الاختناق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لكنه التغيير المنقوص الذي يحتاج إلى تحرّكات فعلية على الأرض ومُعينات تدعمه حتى لا يفتر الحماس الشعبي ويتراجع وينقلب على ما حدث، ولا بدّ من الجهات المعنية وأعني بها مؤسسة الرئاسة أن تعمل سريعا على إحداث التغيير الجوهري الذي وعدت به الشعب التونسي وتسعى إلى إبداء المرونة في المجال السياسي وذلك بالتشاور مع الأقطاب السياسية الفاعلة وإيجاد مخرج سريع لحالة الجمود التي نراها على الساحة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
بعد تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيش من مهامه – علما وأن الحكومة تواصل عملها تحت رئاسة رئيس الجمهورية – وفرض حالة من الأمن، يتعين على قيس سعيد أن يقوم بمبادرة سياسية تُخرج من البلاد من أزمتها الراهنة، وذلك بتعيين رئيس للحكومة يسيّر أعمالها خلال الفترة القادمة، كما يتعين عليه أن يبين للشعب التونسي ما يُمكن فعله خلال المرحلة القادمة، لأنه ينتظر بفارغ الصبر هذه الخطوة من رئيس الجمهورية، وفي شوق وتطلع كبيرين لقرارات جديدة يمكن أن تغير المشهد السياسي في تونس إن كان لمؤسّسة الرئاسة نية للتغيير كما وعدت في البداية، لكن التراخي قد يُفسد على الشعب فرحته وتتداخل الأمور ويمكن أن تؤول إلى ما لا يحمد عقباه.
حذاري من التراخي الذي يمكن أن يؤدي إلى اشتعال الشارع
فالشعب التونسي اليوم مع قرارات الرئيس قيس سعيّد التي اتخذها في جويلية بخصوص التدابير الاستثنائية، ومع التمديد لها الذي قرّره في الرابع والعشرين من أوت لكنه ليس مع التراخي الذي يمكن أن يؤدي إلى اشتعال الشارع من جديد لأنه ينتظر تغييرا جذريا على الأرض من خلال تعيين حكومة تدير شؤون البلاد حتى لا تتعطل وإشراك الجهات السياسية الفاعلة حتى لا تصطدم يوما بمؤسسة الرئاسة وتبقى قوية وصامدة في وجه أي انحراف سياسي، وقد تستغل بعض الأحزاب السياسية الضعف السياسي التي تشهده مؤسسة الرئاسة في بعض الأحيان لتبث في الشعب إشاعات ومغالطات يمكن أن تهيّج الشارع من جديد وتمنحه القوة لإثبات ما يريدون وقد بدأت فعلا من خلال المظاهرات التي حدثت قبل أيام وتورّط أمنيون في التصدي لها بالقوة وأثارت الرأي العام الداخلي والخارجي.
لا نحتاج إلى دوغمائية سياسيّة هذه الأيام بقدر ما نحتاج إلى انفتاح على الأوضاع، وشرح بسيط للشعب التونسي أنه سيلمس هذا التغيير على الأرض، وليس مجرد شعارات أو قرارات تؤخذ هنا وهناك، نحتاج إلى أن يخرج رئيس الجمهورية للشعب التونسي ويبين له ما حدث وما يمكن أن يحدث وما الذي ينبغي أن نفعله خلال الفترة القادمة، حتى يطمئن هذا الشعب ولا نترك المجال مفتوحا للتأويلات والمزايدات هنا وهناك.
نخشى اليوم أن يفقد الشعب التونسي ثقته في مؤسسة الرئاسة
هذه الدوغمائية التي نعيشها اليوم قد تضرّ بالحركة الديمقراطية في البلاد، وتجعل الناس يشعرون فعلا أنهم في وضع لا يسمح لهم بأن يشهدوا التغيير الحقيقي على الأرض في حين ناضل الشعب وما زال يناضل من أجل تحقيق اختراق واقعي يمكن أن يغير حياته نحو الأفضل، وبنفس المستوى الذي كان عليه في 25 جويلية، فعلى رئيس الجمهورية أن يتخذ خطوات عملية من شأنها أن تزرع الثقة من جديد في هذه المؤسسة بعد أن فقدها في الحكومة والبرلمان، ونخشى اليوم الذي يفقد فيه الشعب التونسي ثقته في مؤسسة الرئاسة أيضا، لأنه لو حدث لا قدر الله ستتضرر هيبة الدولة كثيرا وسيقضي على كل أمل يمكن أن يتحقق في المستقبل القريب.
ولعلنا نشهد خلال الأيام القليلة القادمة نقلة نوعية وتغييرا جوهريا في السياسة التونسية، ونرى مشهدا مختلفا عما كان عليه قبل أحداث 25 جويلية ونأمل أن تتغير أحوال الشعب التونسي ويشعر بنوع من الأريحية والطمأنينة أن هناك فعلا نية صلبة لا تتزعزع كما يردد ذلك رئيس الجمهورية في كل لقاء واستقبال لتغيير المشهد السياسي في تونس ولا رجوع للوراء وأن من يعتقد أنه يمكن الرجوع إلى الوراء فهو واهم لا محالة.
ويبقى الزمن كفيلا بنشوء هذه المعادلة السياسية مع توجه العديد من الأطراف إلى محاولة للتشويش على هذا التحول من خلال زرع الشك في قدرة الرئاسة على فعل ذلك في تونس مع تواتر الأنباء عن الضغوطات الخارجية التي تدعو البلاد إلى العودة إلى الديمقراطية، ومن هنا تتشابك الأحداث وتتعقد يوما بعد يوم لذلك لا بد من الإسراع في اتخاذ القرارات حتى لا يجد الطرف المقابل منفذا يلج منه إلى المعركة السياسية ليحدث فيها انقلابا.
شارك رأيك