القاضي – بحكم حياده واستقلاله – لا يعادي ولا يتزلف، وينطبق ذلك أساسا في مواجهة السياسيين. وحتى لا نضيع في “الأخلاقيات”، علينا أن نلاحظ أن مواقف القضاة إزاء “الأزمة السياسية” (مهما كان وصفها) التي نعيشها ونتأثر بها ومن ضمنها أزمة استهداف القضاء سواء في أشخاصه او هياكله أو ممثليه، قد تفاوتت تبعا لانخراط القاضي أو تباعده عن الحياة العامة…
بقلم القاضي أحمد الرحموني
1- أولى المواقف تهم أغلبية القضاة الذين فضلوا السكوت عن الكلام ولازموا كبقية الشعب الانتظار، يستهلكون الأخبار ويتتبعون التحركات ويتابعون التطورات مهما كانت بطيئة دون أي فعل أو قول. وربما شمل ذلك بعض الهياكل التمثيلية للقضاة التي لم نسمع لها صوتا (ولا حتى من المشرفين عليها) بشأن الحياة العامة أو تلك الخاصة بالقضاء. وفضلا عن ذلك فإن تراجع موقع المجلس الأعلى للقضاء على مستوى الشأن العام (على غرار بعض الهياكل التمثيلية للمحامين أو لغيرهم من الوظائف القضائية) قد أدى الى انحسار التاثير “الجماعي” للقضاء على المستوى العمومي.
2- وثاني المواقف تهم أفرادا من القضاة المتطلعين إلى ركوب الموجة، ممن علت أصواتهم خصوصا بعد 25 جويلية 2021. وهم في الغالب ممن يوائمون أفكارهم مع التوجهات المعلنة لرئيس الجمهورية (مقاومة الفساد، انتقاد العشرية الفارطة، الهجوم على الأحزاب وعلى الإسلام السياسي…)، وربما تجد من ضمنهم من “يتظاهر” بتقديم خدمات (لم تطلب منه) لتسريع الفصل في القضايا (وخصوصا قضايا الإرهاب والفساد) أو دعوة زملائه إلى “التبرع” بجزء من عطلهم القضائية لدعم “الحملة العامة” للعمل القضائي تحت الشعارات الرائجة هذه الأيام!.
3-وثالث المواقف تهم بعض القضاة الذين أعلنوا رفضهم للإجراءات الرئاسية المقررة منذ 25 جويلية الفارط خلافا لأي تأويل سليم للدستور، وكذلك عدد من القضاة الذين مارسوا حقهم في انتقاد كل الإجراءات الماسة من استقلال القضاء أو كرامة القضاة. ذ
ويبدو طبيعيا (في هذه الأوضاع الاستثنائية !) أن يكون هؤلاء القضاة هدفا لحملات فردية وجماعية (وخصوصا من أقلام عرفت بالارتزاق ونهش أعراض الناس) فضلا عن محاولات توصيفهم سياسيا أو جرهم إلى معارك لا تخصهم ولا تعنيهم.
وقد يكون من المناسب ان نلاحظ في هذا السياق، أن مكافحةمظاهر الفساد بمؤسسات الدولة (بما في ذلك المؤسسة القضائية) لم يكن يوما (لدى بعض القضاة) شعارا يرفع في بعض الأوقات وينزل في أوقات أخرى، بل هو مسلك راسخ لا يتبدل. ولذلك فإن انتقاد هياكلنا (كالمجلس الأعلى للقضاء) في تعاطيها مع مظاهر الفساد لم يغب يوما عن اهتمام هؤلاء ولم تكن الحملات الأخيرة (سواء للرئيس أو من يتبعه) مبررا “لاستغلال الفرص” أو ممارسة أي نوع من”المزايدة” او “استعداء السلطة”ضد أي كان.!
شارك رأيك