الولايات المتحدة لن تفرط في العلاقة مع تونس مهما يكون الحاكمون بأمرها، كما لن تفرط في الموالين لها من الإسلاميين و لو يقع إقصاؤهم من الحكم و تحتفظ بهم في موقع الاحتياط و تجعل منهم العين الساهرةلها… و في كل الحالات، و مهما ستكون الحوارات و المفاهمات مع واشنطن، تونس في حاجة الى المحافظة على علاقات متميزة و شفافة مع الولايات المتحدة لكن سيتغير فيها شيء ما إثر التجاذبات الداخلية و التحركات الخارجية و ذلك وفق رعاية مصالحها و تطور الظروف و خاصة في تعاطي البلاد مع المحاور الإقليمية و الدولية…
بقلم الأزهر الضيفي *
حذاري، ما كان لكم يمكن أن يولى عليكم.
الفاعلون السياسيون منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم بمختلف مشتقاتهم و تصنيفاتهم وتحالفاتهم هم من استنجدوا بحكام الولايات المتحدة الأميريكية لإسقاط نظام بن علي و ناضلوا سنوات لتوتير العلاقات بين تونس و الولايات المتحدة و فيهم من ناشد الرئيس باراك أوباما التدخل في تونس ربما المقصود عسكريا لإرساء الديمقراطية و كانت سفارة أمريكا بتونس الملجأ لهم و قاعة العمليات لإسقاط النظام و كان السفير هو المؤطر وهو المدبر وهم المنفذون.
و قد نشر السفير آنذاك في برقيات ويكيلكس تفاصيل تحركاته و الخطط التي نسجها مع طيف سياسي و من المجتمع المدني و من الشباب و كانت الدولة التونسية ترفض التعاطي مع القيادة و المؤسسات الأمريكية بسبب هذا التعامل و رفض تلبية بعض المصالح مما خلق فجوة و فراغا في العلاقات بين البلدين أثثه الأمريكان بالموالين لهم من الذين يعتبرونهم مشروع الغد و لا أحد ينكر دور الأمريكان في إسقاط بن على وهو ما وثقته الإدارة الأمريكية و نشرته و تفاخرت به و مكنت حكام ما بعد 14 جانفي 2011 بيسارهم و يمينهم و إسلامهم السياسي من التحكم في مقاليد الدولة إلى يوم الساعة لأن كل من تقلد الحكم في هذه الفترة و إلى يوم الساعة هم من نتاج منظومة 14 جانفي 2011 الأمريكان فخورون بهذه المنظومة و بدستورها و غيورون عليها و لا يمكن لأي كان من كل الذين تداولوا على الحكم و كونوا أحزابا و انتخبوا بدستور 2014 و أسسوا الهيئات الدستورية أن يتفصوا من هذه المنظومة مهما تكون تداعيات 25 جويلية 2021.
الأمريكان الذين يترددون اليوم على تونس منذ 25 جويلية و يقيمون وضع تونس و ينصحون و يضغطون على هذه المنظومة هم نفس اللاعبين السياسيين بالأمس (2011) يرون في ذلك استحقاقا لهم لأنهم مكنوها من الدعم السياسي و المالي و الديبلوماسي لتكون حقبة الحكم الموالية لهم و الراعية لمصالحهم و لاستراتيجيتهم.
و اليوم نسجل بداية تحرر بعض الأطياف السياسية و الاجتماعية من هذه التبعية لنفس اللاعبين اما ضغطا لرفضهم أن يواصل حليفهم الإسلام السياسي في الحكم طيلة عشر سنوات أن يكون طرفا في المشهد السياسي الذي من المتوقع انه سيشكل على وقع تغيرات 25 جويلية، أو أنهم يناصرون او يدفعون برئيس الجمهورية قيس سعيد لتجميد الحوار مع الطرف الأمريكي أو بالتقليل من أهميته ليستفيدوا معه بالحكم بمنطوق “الشعب يريد” و إقصاء كل الفصائل الأخرى التي باتت كيانات لا يمكن اجتثاثها.
في كلتا الحالتين، الأمريكان لم يفرطوا في العلاقة مع تونس مهما يكون الحاكمون بأمرها، كما لن يفرطوا في الموالين لهم و لو يقع إقصائهم من الحكم و تحتفظ بهم في موقع الاحتياط و تجعل منهم العين الساهرة لهم و في كل الحالات، و مهما ستكون الحوارات و المفاهمات، تونس في حاجة الى المحافظة على علاقات متميزة و شفافة مع أمريكا لكن سيتغير فيها شيء ما إثر التجاذبات الداخلية و التحركات الخارجية و ذلك وفق رعاية مصالحها و تطور الظروف و خاصة في تعاطي البلاد مع المحاور الإقليمية و الدولية…
فحذاري، خذوا بعين الاعتبار الوضع الداخلي للبلاد و وضعها الاقتصادي و موقعها في المحيط الجهوي و الاقليمي، و التهديد الإرهابي وحماية الحدود من الجريمة العابرة للحدود و من الهجرة السرية، و خذوا العبرة مما أتى بكم و مما أبقي خصمكم اليوم “جاثما” عليكم عشر سنوات بسبب تعنت رأس الدولة و محيطه و غياب حزامه السياسي و المدني في التواصل السلس مع القوى المساندة لمعارضيه لأنه ما كان لكم في ما سبق يمكن أن يولى عليكم في ما لحق.
* نائب سابق في البرلمان التونسي.
شارك رأيك