لم تعد للغطرسة الأمريكية مخالب و لم يعد الاقتصاد الأمريكي قادرا على تحمل نتائج حماية أنظمة و منظمات مترهلة آيلة للسقوط و إذا كان هناك في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما من أعطى الوعود و فرش الأرض للنهضة بالورود فقد جاءت قرارات الرئيس سعيد الأخيرة لتعلن نهاية اللعبة و بداية طريق سقوط الحركة الإسلامية و مشروع الإسلام السياسي في تونس في الهاوية.
بقلم أحمد الحباسى *
من الطبيعي جدا أن تثير زيارة وفد البرلماني الأمريكي الأخيرة إلى تونس حالة من المدّ و الجزر الجدلي إضافة إلى محاولات الأطراف السياسية تسجيل المواقف و كسب النقاط و إذا وصل الأمر بالبعض إلى اعتبار “الحج” إلى بيت السفارة الأمريكية لملاقاة هذا الوفد و الاستجابة لدعوات الحضور ضربا من الخيانة و مسّا من السيادة الوطنية فهناك من قبل تلك “العزومة” بكثير من الفرح الصبياني مثل حركة النهضة و أحزاب قلب تونس و تحيا تونس و غيرهم.
من الطبيعي أن تكون حركة النهضة من أول المهرولين للسفارة و المتفائلين بأن تكون زيارة الوفد المفتاح السحري الذي سيفتح الأبواب المغلقة التي أوصدها رئيس الدولة في وجهها بتفعيله لأحكام الفصل 80 من الدستور، فقد دأبت الحركة دوما على خدمة الخارج على حساب الوطن و تلك جبيلة في الحركات الإسلامية و اتجاه لا تزيغ عنه.
حركة النهضة تحلم بالعودة إلى البرلمان على ظهر “دبابة” سياسية أمريكية
من الطبيعي أيضا أن تنتهز قيادة حركة النهضة هذه الفرصة لمطالبة الوفد بتسليط كمية من الضغوط و الإيحاءات المبطنة كافية لإجباره على التراجع و تمكين رئيس الحركة من العودة للبرلمان على ظهر “دبابة” سياسية أمريكية.
المشكلة أن حساب الحقل لم يتوافق مع حساب البيدر و أن لقاء الوفد برئيس الدولة قد قلب كل الآمال و أنزل منسوب كميات التفاؤل بشكل أفقد قيادة الحركة توازنها بعد أن وضعت كل بيضها في سلة المفاوض الأمريكي الأمر الذي أعطى لمعارضي رئيس الحركة مزيدا من أوراق الضغط لعزله بعد أن تبيّن بالكاشف أنه فقد كل أسباب وجوده و لم يعد له مكان داخليا و خارجيا فضلا عن تصاعد الحملات الشعبية المطالبة بمحاكمته و عزله.
من المنطقي إذن أن يتساءل البعض لماذا يصرّ مرشد الإخوان على الهروب إلى الأمام و الحال أنه عليه الاعتزال و هل أن قرار الإقالة أمر يتقرر في إحدى الدول الخليجية أو في تركيا و طالما لم تأت الأوامر الخارجية بضرورة تنحّيه فهو لا يمكنه الإقدام على ذلك دون موافقة صاحب النعمة و ولي الأمر سمو أمير دولة قطر العظمى.
لا يدرك شيخ حركة الإخوان أن أمريكا قد فقدت كل أوراقها في المنطقة بدليل أن نفس هذا الوفد لم يحقق أهدافه في فرض توافق لبناني لتشكيل حكومة إنقاذ لبنانية و جاء إلى تونس في محاولة لربح نقاط خسرتها الإدارة الأمريكية الحالية في أفغانستان بعد أن تعرضت إلى أكبر نكسة عسكرية استراتيجية منذ هزيمة الحرب الفيتنامية.
الغنوشى و من معه يفكرون خارج التاريخ و الجغرافيا
بطبيعة الحال لا يدرك عقل الشيخ المترنح أن الفريق الرئاسي الأمريكي الحالي يلاقى الفشل تلو الفشل و أن فشل إدارة الملف الأفغاني و هروب الجيش الأمريكي تاركا وراءه كميات مرعبة من الأسلحة و المعدات قد جعل الرئيس بايدن محل سخرية العالم وهو الذي وعد بإدارة الملف الكوري بكثير من الحزم فإذا هو يفشل في إدارة ملف أفغانستان و يتعرض إلى نكسة قاصمة.
نعم مشكلة الغنوشى و من معه أنه يفكر خارج التاريخ و الجغرافيا و المنطق السياسي السليم و لذلك تصوّر أنه سيبقى دائما حاكما بأمره فوق المساءلة و المحاكمة و أن أمريكا ستحول بينه و بين السقوط.
لا أعرف من ابتدع عبارة “المتغطي بالأمريكان عريان” و لكن من الثابت أن التاريخ يعيد نفسه من شاه إيران إلى مبارك و أيّا قائل هذه العبارة فقد بات معلوما للجميع أن الماما أمريكا لم تعد قادرة حتى على حماية نفسها فما بالك بهؤلاء الأتباع الذين صنعتهم و وعدتهم بالحماية مقابل خدمة مصالحها و بالطبع مصالح الصهيونية العالمية و ما سمته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس بالنظام العالمي الجديد.
لقد تأكد للأوروبيين أن اعتمادهم على قوة أمريكا لم يعد أمرا مضمونًا وان اللعبة الدولية تغيرت شروطها وأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتجه نحو الانكفاء على الذات وتقليص النفقات العسكرية و عدم استعمال القوة العسكرية تجنبا للخسائر البشرية.
لم تعد للغطرسة الأمريكية مخالب و لم يعد الاقتصاد الأمريكي قادرا على تحمل نتائج حماية أنظمة و منظمات مترهلة آيلة للسقوط و إذا كان هناك في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما من أعطى الوعود و فرش الأرض للنهضة بالورود فقد جاءت قرارات الرئيس سعيد الأخيرة لتعلن نهاية اللعبة و بداية طريق سقوط الحركة الإسلامية و مشروع الإسلام السياسي في تونس في الهاوية.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك