مقالتي هذه تتنزل أولا في إطار وقوفي إلى جانب الرئيس قيس سعيد الذي قاد تغييرا عميقا في البلاد، و مساعيه لإصلاحها و ثانيا في نهجي منذ سنوات وهو النصح لولاة الأمور ما استطعت إلى ذلك سبيلا طالما يرى المرء كما يقول الأديب الكبير توفيق الحكيم في رأيه صلاحا.
بقلم ياسين فرحاتي *
ما أتاه رئيس تونس لم يحدث من قبل في علم السياسة في نظر البعض وفره له الفصل 80 من دستور 2014 و الذي على النقيض من ذلك يثير حفيظة و ريبة حاكم قرطاج و ربما قد يشكل جوهر فلسفة سعيد في الحكم كما يذيع بعض المقربين منه و الملاحظين و المتابعين للشأن السياسي في بلادنا من خبراء في القانون الدستوري.
الخطوة التي أقدم عليها الرئيس ليلة 25 جويلية 2021 لقيت رضى شعبيا عاما لكن ثمة معارضة يشكلها سياسيون و بعض الحقوقيين و قلة من المفكرين على غرار “مفكر النهضة” أيو يعرب المرزوقي الذي يصف في كل مقال يكتبه في موقع تدوينات ما يسمى إنجازا سياسيا مشروعا لقيس سعيد بالانقلاب و يشبهه بالحشد الشعبي في العراق و بحزب الله في لبنان و تذهب قناة الجزيرة القطرية إلى اعتبار الوضع متأزما في البلاد في ظل غياب حكومة لمدة 5 أسابيع علما و أن الجيش و الأمن يقفان إلى جانب الرئيس الذي تهدده المخاطر من الداخل و الخارج بعد الإعلان عن محاولة اغتيال تحدث هو شخصيا عنها دون أن يغوص في تفاصيلها. و هذا في الحقيقة خطاب عودنا عليه رئيس الدولة منذ توليه الحكم حيث يتحدث عن مآمرات و دسائس تحاك ضده و هذا في الحقيقة ليس بالأمر الغريب أو المستبعد في عالمنا العربي… هذا إلى جانب حملات تشويه و تجريح تطاله و تطال أسرته من صفحات فايسبوكية محسوبة على حركة النهضة التي كانت في الحكم و هي اليوم تقود قاطرة المعارضة و ذلك هو منطق الحكم و السياسة.
هل انتهت الأحزاب فعلا و كيف سيكون دورها مستقبلا ؟
أما عن بقية الأحزاب فقد طال صمت جلها بإستثناء الحزب الحر الدستوري الذي تجري رئيسته و ناطقته الرسمية عبير موسي خطابات سياسية يومية عبر الفايس بوك مباشرة عسى كلامها يحدث تاثيرا في نفس قيس سعيد فهي خاضت جولات و صولات تحت قبة البرلمان و لعبت دورا سلبيا في تعفين الأجواء إلى جانب خصمها اللدود سيف الدين الدين مخلوف و إيجابيا كونها أسهمت دون أن تشعر في تبرير قرار تجميد البرلمان و فسح المجال ليمسك سعيد بكل السلطات في البلاد لأجل غير مسمى، و لست أدري إن كانت هي اليوم الرابحة أم الخسارة من عدم وجود خصم ومنافس سياسي لها على سدة الحكم بعد أن وقع التخلص من رئيس المجلس راشد الغنوشي و بعد أن كانت تتصدر استطلاعات الرأي العام و كانت تمني النفس بحكم تونس.
أعتقد شخصيا أنه لا يوجد منافس جدي للرئيس قيس سعيد و هو لم يكمل بعد عهدته الحالية و عمرها 5 سنوات قضا منها سنتين ثم أدخل منذ يوم الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية في منعرج تلهفت له معظم قلوب التونسيين و نحن لا زلنا في الخطوات الأولى التي ولئن لاقت استحسانا لكنها منقوصة و غير كافية و المواطن لا يزال ينتظر الكثير رغم إحساسنا و معرفتنا ان المهمة و الحمل يبدوان ثقيلين خصوصا في الحملة التي أعلن عنها منذ أول يوم لإمساكه بكل دواليب الحكم في تونس في خطاب سياسي مفعم بالرمزية الدينية حيث في كل مرة يذكرنا بخصال الصحابة من قيم العدل و الحق و المساواة، و بالوعد بحماية حقوق التونسيين و الدفاع عن مصالحهم كلفه ذلك ما كلفه حتى لو أدى ذلك لاستشهاده من أجل قضية عادلة.
قيس سعيد في نظر التونسيين رجل صادق و مخلص و طاهر اليدين و كسب حب الشعب وهي المواصفات التي نفتقدها في تونس و في وطننا العربي بكل أسف.
إن الحرب التي شنها بلا هوادة على الفساد و المفسدين من سياسيين في الداخل و الخارج على غرار القبض عن مؤسس حزب قلب تونس نبيل القروي في تبسة في الجزائر الشقيقة بعد فراره خلسة و بطريقة غير قانونية و محتكرين و مهربين و مضاربين و قضاة و محامين متحيلين باسم القانون و من وصفهم بآكلي أموال الشعب و مصاصي دماء التونسيين تثير شيءا من يقين المواطن التونسي على ان الأمر يبعث في النفس الطمأنينة و يبعث أيضا بإشارات إيجابيات لكن ثمة إجراءات لم تر النور فقبضة الدولة لا تزال ضعيفة في ردع التجار و الباعة المحتكرين و عدم استجابتهم لدعوات رئيس الجمهورية يضرورة خفض الأسعار و هو أمر يزيد من شكاوى و متاعب المواطن المسكين الذي يجب الرفق به لأن أزمة كوفيد-19 زادت على الطين بلة و أثقلت كاهله.
حول الدور المخزي لقوات الأمن
ناتي الآن إلى أمور أراها شخصيا غير مقبولة و منافية لقيم و أخلاق الثورة و معيبة جدا وهو مواصلة الاعتداء على الصحفيين و الحقوقيين. ففي كل مناسبة يعبرون فيها عن جملة من المطالب المعقولة سرعان ما يواجهون بالبطش الشديد و التنكيل بهم و هو عادة لم تتوقف مع جل الحكومات التي تعاقدت على بلادنا.
كان من باب أولى و أحرى على رجال الأمن و الشرطة أن يواجهوا النشالين و السراق في الليل و النهار لمنازل عديد المواطنين و كثير منهم متهم بالتواطىء معهم و عندما يتقدم بشكوى لمركز الأمن مستودع بالوثائق و الأدلة الدامغة يواجه بالمماطلة و أحيانا بالرفض. لذلك نحن ننبه وزير الداخلية إلى مثل هذه الأمور الخطيرة حتى يتم إرساء دولة القانون و حتى يشعر المواطن بالأمن و الأمان. وهذا هو دور الصحفي ان يرى بعينه الثاقبة ما لا يراه غيره فهو في بلاد الغرب يعتبر “رجل تغيير ” وجب الإصغاء إليه و إيلاء الشرفاء منهم المكانة التي يستحقونها.
أرجو أن لا يتكرر الأمر لا معهم و لا مع غيرهم رغم أن رئيس الدولة قد التقى المكلف بإدارة وزارة الداخلية و مديرين عن الأمن الوطني و العمومي و رؤساء لمنظمات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و الهيية الوطنية للمحامين. و من موقعي ككاتب أطالب بالنظر في ملف النائب المجمد و المهندس ياسين العياري لأنني شخصيا تابعته لما كان نائبا لم نر منه إلا دماغة الأخلاق و الصدق و كان رافض لجل الممارسات المشينة التي كانت تحدث تحت قبة مجلس نواب الشعب. فأن تنقتد مؤسسة الجيش طالما لم تثلب أو تسب أو تشتم ليس معناه أن يجز بك في السجن تعسفا و ربما ظلما لأن أثمن ما جنيناه من ثورة 14 جانفي 2011 هو حرية التعبير و إبداء الرأي.
موضوع آخر يسترعي اهتمامات يومية لمنظمات حقوقية تونسية و أجنبية معروفة مثل أمنستي هو تسليم المعارض الجزائري والذي يعد لاجئا سياسيا ببلادنا لسلطات بلاده و يبدو في الأمر مقايضة مكشوفة . فعلاقاتنا الجيدة مع الجارة الشقيقة لا يمنحنا صكا على بياض فنظلم من احتموا بحمانا و يبدو أننا نلدغ من الجحر مرتين و لا نتوب.
بعد الثورة طلب السياسي الليبي البغدادي المحمودي وكان وزيرا في حكومة الزعيم الراحل معمر القذافي اللجوء السياسي من بلادنا لكن لم نف بالعهود و سلم أول رئيس حكومة منتخبة بعد الثورة و هو حمادي الجبالي الذي عانى كثيرا من ويلات السجون ( 14 سنة سجنا) للحكومة الليبية التي ثارت على القذافي و أطاحت به بمساعدة قوية و مباشرة لحلف شمال الأطلسي. و قد تحدث الجميع آنذاك في تونس عن صفقة سياسية مشبوهة و قال الرئيس الانتقالي محمد المنصف المرزوقي و هو حقوقي معروف بأنه لم يكن على علم بالموضوع.
لا يحدث شيء في السياسة بدون سبب أو مبرر أو مقابل مادي فالسياسة ميدان الصفقات و البيع و الشراء للذمم! لكن لا بد من الحفاظ على المبادىء و القيم و السامية حتى يذكر كل واحد منا تولى مسؤولية أيا كانت و هذا هو دور المؤرخين الذين يطلب منهم ان يلتزموا الموضوعية و الدقة و التعامل مع الوثائق و الشخصيات بكل أمانة.
التونسيون متخوفون من مستقبل العملية السياسية
الشارع التونسي يحلم و من حقه أن يحلم و لكنه أيضا يغلي كالمرجل و يعيش على وقع عديد التساؤلات والمخاوف من مستقبل العملية السياسية بينما الرئيس سعيد يلوم بشدة على المراهنين على الخارج و يتهمهم بإفساد ما ينوي القيام و الاستقواء ببعض وسائل الإعلام الأجنببة. أما مشروعه السياسي الذي لم يفصح عنه إلى حدود الساعة رغم ما يسربه البعض من مقربيه فهو غامض و غير معلوم لدى عامة الشعب.
في الحقيقة من عيوب رئاسة الجمهورية هو ضعف أدائها الإتصالي و الإعلامي و يلومها الجميع في ذلك و قد اتصلت منذ أشهر بالكاتب و الإعلامي التونسي المعروف محمد كريشان الذي يعمل بقناة الجزيرة للعمل لدى القصر كمستشار مكلف بالجانب الإتصالي لكن الأخير اعتذر عبر تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على الفايس بوك رغم إستعداده لتقديم خدماته لبلده لكن بعيدا عن أبواب السياسة و دهاليزها.
يحذر البعض من نوايا الرئيس الحالي في الانقلاب عن الأحزاب فعلاوة عن الأداء السيء و الرديء لعمل الأحزاب في تونس منذ الثورة و ما تجميد لأعمال النواب إلا إقرار صريح بفشل دور الأحزاب و لا بد من إيجاد بديل لا يعلمه إلا هو، البعض تحدث عن أفكار تشبه ما كان معمولا به زمن حكم القذافي و لكن الكثير من المعارضين ينتقدون ذلك و يردون عليه بأن اللجان الشعبية قادت العقيد إلى طريق مسدود رغم أن البعض أيضا يتباكى أيضا على بعض أيام القذافي… هذا ما كتبه الأستاذ عبد الباري عطوان في إحدى إفتتاحياته الأخيرة على موقعه المعروف رأي اليوم.ذ
شخصيا أرى أن ما هو سائد في أغلب أنظمة دول الخليج قد يبدو سياسيا من فكر الرئيس سعيد إذ تخلو الساحة في بلادهم من أي تواجد و لو شكلي للأحزاب لا بل يكفرون بها و بعضهم يكتفون بمجلس نيابي يقع تشكيله من غير المرور بأي عملية انتخابية و أذكر أنه كان لنا في فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي مجلس المستشارين و هو مشكل من كفاءات سياسية و علمية كغرفة ثانية لمجلس النواب وقتذئك.
و اليوم ما الذي سيكون بديلا لهذا الكيان و الذي تأكد منذ يوم 25 جويلية أنه لم يكن ممثلا لإرادة الشعب الذي ثار عليه دستوريا ؟ الضغط الخارجي وخصوصا الأمريكي يبدو جليا و جديا و ما زيارات الوفود الرسمية في الفترة القليلة الماضية إلا لمزيد تأكيد الإهتمام بما حدث في تونس من ضرورة تفعيل المؤسسات السياسية أو الدستورية المجمدة و أكبر عائق لم يساعد الرئيس هو غياب المحكمة الدستورية و التي هي محل جدل منذ سنوات و لم يفصل في أمرها في ظل وجود مجلس نيابي فما بالك اليوم و نحن بدونه.
الجميع يتساءل هل ستكون لنا حكومة جديدة و من أي نوع؟ بمعنى آخر هل ستكون مرة أخرى لنا حكومة الرئيس و لكن من نوع آخر و هل ستكون بوزير أول أم برئيس وزراء ؟ و ماذا لو تواصل العمل بما هو موجود أي بحكومة ناقصة؟ هل يستطيع الرئيس الصمود حتى لو أن أطيافا كبيرة من الشعب تقف إلى جانبه؟ الورقة الوحيدة التي من المؤكد انها ستكون رابحة في يد الرئيس هي تحسين ظروف عيش المواطن الإقتصادية و الإجتماعية و توفير مواطن شغل جديدة للشباب و تسهيل اندماجهم في معترك الحياة فهم ثروة تونس الحقيقية، و مواصلة الحرب على الفساد وهو ما يصر عليه في كل لقاء يجمعه بأحد وزرائه أو منظمات المجتمع المدني.
النظام السياسي الحالي كان محل انتقاد الرئيس منذ سنوات و قد يكون يدور في ذهنه ضرورة العودة إلى النظام الرئاسي الأمر الذي يراه منتقدوه من حركة النهضة خصوصا و يرون فيه انقطاعا للمسار الديمقراطي و التعددية الحزبية و يقول البعض بأن الرئيس قد يلجأ إلى إجراء تعديل دستوري عبر إجراء استفتاء شعبي يوافق على منحه صلاحيات دستورية أخرى.
ختاما نرجو كل التوفيق للرئيس قيس سعيد في صياغة ميثاق سياسي جديد من أجل حياة سياسية مزدهرة و حتى يتغير واقع كل التونسيين و نصيحتنا له أن يحيط نفسه ببطانة صالحة و يقوم بمراجعة مستمرة لطاقمه الاستشاري و أن لا يجامل عند الخطأ حتى يحقق أهدافه و أهداف الشعب التونسي وحتى لا نقول طال كثيرا الإنتظار و الصبر ثم تمخض الجبل فولد فأرا.
* كاتب من تونس.
شارك رأيك