لا يمكن الحديث عن إنقاذ الاقتصاد الوطني بصفة عامة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة بصفة خاصة دون دوران عجلة الاستثمار فمؤسسة الرئاسة بالإضافة إلى انطلاقها في إصلاح الأجهزة الأمنية وسلك القضاء ومحاربة الفساد والذي يعتبر جزءا من الحل للمشاكل الاقتصادية يجب عليها بالتوازي وبصفة آنية بعث مشاريع كبرى من شأنها اخراج الاقتصاد من حالة الركود حتى تتمكن هذه المؤسسات من ضمان استمراريتها…
بقلم وليد الكسراوي *
تمثل التنمية الاقتصادية أحد أهم التحديات التي تواجهها تونس لتجاوز المرحلة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لما لها من انعكاسات مباشرة على خلق الثروة والتشغيل وتنمية الدخل الفردي وغيرها من الإشكاليات.
شكل تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي فعلا سلبيا في العقد الأخير ظهرت نتائجه من خلال فشل استراتيجية التنمية ذات نموذج التخطيط الشمولي و فشل إسهام القطاع العام في دعم خزينة الدولة وتحقيق موارد تمكن الدولة من بعث حركية اقتصادية قادرة على إخراج البلاد من حالة الركود الاقتصادي وانعكاساته على الحالة الاجتماعية الصعبة لنصل اليوم إلى نقطة مفصلية قد تكون تداعياتها وخيمة على الأجيال القادمة ما لم تتمكن الدولة من إيجاد حلول عاجلة و طويلة الأمد لإنعاش الاقتصاد الوطني بعد أن كانت هذه المؤسسات، ونذكر منها شركة فسفاط قفصة، المجمع الكيميائي بقابس، شركة الفولاذ، الخطوط الجوية التونسية وغيرها، مصدر قوة وفخر للدولة لإسهامها بأكثر من 5 مليار دينار في ميزانية الدولة سنة 2010 لتصبح اليوم عبئًا ثقيلا على الدولة بعد أن أصبحت تستنزف خزينتها سنويا بأكثر من 3 مليار دينار كما في السنوات الأخيرة.
هل تنجح المؤسسات الصغرى والمتوسطة في دفع عجلة الاقتصاد ؟
أمام هذه الوضعية الصعبة والمتردية تسعى المؤسسات الصغرى والمتوسطة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية. فما هو دور هذه المؤسسات في الاقتصاد الوطني؟ و ما هي أهم الصعوبات التي تواجهها؟ وما مدى قدرتها على التحمل في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والمحلية؟
تعتبر المؤسسات الصغرى والمتوسطة أحد أهم المحركات الرئيسية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية لما لها من دور في توسيع النشاط الاقتصادي وتنوعه حيث انها تساهم في ارتفاع الدخل الوطني بالإضافة إلى مساهمتها في الحد من ظاهرة البطالة ومحاربة الفقر و تحسين مستوى معيشة الأفراد وزيادة دخلهم وبالتالي سينعكس ذلك على المستوى الصحي والمعرفي لهم كما تمكن هذه المؤسسات من توفير السلع والخدمات بالكميات والنوعيات المناسبة.
من جهة أخرى تساهم التنمية الاقتصادية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة في تحسين الناتج المحلي وتحقيق التطور الاقتصادي المنشود.
المؤسسات ضحية العوائق الإدارية والإجراءات البيروقراطية المعقدة
عمليا تصطدم كافة الجهود المتعلقة بالحركية الاستثمارية في المؤسسات الصغرى والمتوسطة بمجموعة كبيرة من العوائق الإدارية والإجراءات البيروقراطية المعقدة والتي تتطلب العديد من التراخيص والوثائق والجهات وما يتلوه من فساد إداري كان قبل مدة من الزمن يشار إليه بالتلميح أصبح اليوم ظاهرة علنية ممن باعوا ضمائرهم وأصبحت مداخيلهم أضعاف أضعاف مرتباتهم في غياب الرقابة والردع لهذه الظاهرة التي أصبحت تدار بشكل منظم عبر شبكات تصل حتى إلى أعلى التسلسل الهرمي لضمان حماية جماعية إزاء بعض الشكاوى لمن ضاقت بهم السبل من ممارسات وابتزاز متواصل.
من جهة اخرى تعاني البلاد التونسيه منذ بضع سنوات من غياب تام للمشاريع التنموية نتيجة نقص فادح للموارد المالية للدولة من جهة و غياب للاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى مما أثر سلبا على نصيب المؤسسات الصغرى والمتوسطة خاصة في مجال المقاولات والأشغال العامة والتي من شأنها إعطاء فرص لمجالات أخرى مرتبطة بها مثل المقاطع، شركات مواد البناء و غيرها من المجالات، كما تعاني هذه المؤسسات من ارتفاع أسعار المواد الأولية والنقل البحري في السوق العالمية و تدهور قيمة الدينار. كما تعاني هذه المؤسسات من صعوبة إيجاد تمويلات خاصة في ظل غياب الضمانات المناسبة.
كل هذه العوامل ساهمت في تضرر كبير لهذه المؤسسات وصل حد إفلاس أكثر من 77 ألف مؤسسة حسب آخر إحصائيات السداسي الأول لسنة 2021 للمعهد الوطني للإحصاء.
إن استمرار الوضع الاقتصادي الكارثي وغياب استراتيجية دعم وإنقاذ لهذه المؤسسات سيؤدي حتما لمزيد تعميق الأزمة و انهيار تام للاقتصاد الوطني. فما هي أهم الحلول العملية لإنقاذ هذه المؤسسات ؟
لا يمكن الحديث عن إنقاذ الاقتصاد الوطني بصفة عامة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة بصفة خاصة دون دوران عجلة الاستثمار فمؤسسة الرئاسة بالإضافة إلى انطلاقها في إصلاح الأجهزة الأمنية وسلك القضاء ومحاربة الفساد والذي يعتبر جزءا من الحل للمشاكل الاقتصادية يجب عليها بالتوازي وبصفة آنية بعث مشاريع كبرى من شأنها اخراج الاقتصاد من حالة الركود حتى تتمكن هذه المؤسسات من ضمان استمراريتها… هذا بالإضافة إلى وضع رزمة من القرارات والإمتيازات لتشجيع المستثمرين الأجانب للعودة إلى البلاد التونسيه كوجهة آمنة تمكنهم من تحقيق أرباح مع وضع آليات تضمن لتونس الاستفادة من هؤلاء المستثمرين.
ضرورة إعلان حالة طوارئ اقتصادية قبل فوات الأوان
من أكبر العوائق التي تحول دون بعث مشاريع ضخمة تضمن للدولة تحقيق التنمية هو عدم توفر الموارد الماليه اللازمة لبعث المشاريع بالإضافة إلى ترابط مصالح من حكم تونس في العشرية الأخيرة بمصالح بعض دول الإتحاد الأوروبي التي تعاني بدورها من الركود الاقتصادي في حين رغبة بض دول شرق آسيا خاصة منها الصين من عقد شراكات مع الدولة التونسية يستفيد منها الطرفان والذي من شأنه خلق ديناميكية اقتصادية كبيرة تعود فائدتها على كافة المؤسسات الوطنية… لكن في الغالب تتطلب هذه الشراكات مفاوضات شاقة وطويلة في ظل ضرورة إيجاد حلول عاجلة لإنعاش المؤسسات الوطنية لذلك وجب وبصورة آنية اتخاذ بعض الإجراءات كتأجيل وجدولة الآداءات للشركات الصغرى والمتوسطة لمدة سنة، تأجيل وجدولة الأقساط البنكية لمدة سنة دون فوائد، جدولة الديون الجبائية والديوانية لمدة سنتين.
رغم تعدد الإجراءات والبلاغات والبيانات بدعم المؤسسات الاقتصادية وبالأخص الصغرى منها و المتوسطة إلا أنها لم تف بالغرض وبقيت معظمها نظرية لم ترتق إلى المستوى التطبيقي مما أدى إلى مزيد تعميق الصعوبات المالية نتيجة الانكماش الاقتصادي الذي بلغ نسبة 14٪ في النصف الأول من السنة الحالية مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية بالتالي إعلان حالة طوارئ اقتصادية أصبحت ضرورة قبل فوات الأوان واستحالة الخروج من عنق الزجاجة.
* أكاديمي و خبير في مجال إدارة الأعمال.
شارك رأيك