لا أدري إن كان من الواجب (أو حتى من المناسب) أن نتحدث عن بيان أمس الاثنين 6 سبتمبر 2021 لسفراء مجموعة الدول الصناعية السبع بتونس (وهي لمن يريد أن يعلم الولايات المتحدة و كنداو فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة) أم لنا أن ندس رؤوسنا في التراب أم نتصلب ضد كل من يتجرأ على سيادتنا وكرامة شعبنا؟!
بقلم القاضي أحمد الرحموني
لنتفق – قبل كل شيء – على اننا لا نستطيع أن نمنع هؤلاء (أو حتى غيرهم) من التعليق على شؤوننا الداخلية طالما كنا نطلب دوما شراكتهم وحتى هباتهم، وفي المقابل لم يكن ممنوعا علينا أن نرد بالأسلوب الذي نختاره ونتحمل مسؤوليته. ومهما كان موقفنا من تلك الدول أو من شرعية تدخلها، فمن الواضح أن مضمون ما ورد في بيانها (وخصوصا ما يتعلق بالأزمة الداخلية) ليس جديدا على مسامع الرئيس (ومن يتبعه) طالما أن جزء (غير مقدر؟) من المجتمع السياسي والمدني التونسي لم يأل جهدا منذ إعلان التدابير الاستثنائية في التأكيد على الخروقات التي شابت القرارات الرئاسية وعلى ضرورة ضبطها (أو عدم التوسع فيها) أو حتى إنهاء بعضها فضلا عن تدارك ما ترتب عنها سواء بالنسبة للتعيينات أو الإجراءات المقيدة لحرية الأفراد وتنقلهم.
توافق صلب في المسألة الدستورية الداخلية
يظهر جليا ان بيان الدول السبع، الذي أبرز توافقا صلبا في المسألة الدستورية الداخلية، قد تعمد الربط بين حل الأزمة الداخلية و العلاقات المشتركة بين تونس وتلك الدول.
فمن جانب الأزمة الداخلية، يتضح ان صيغة البيان (وكلماته الأساسية) لم تخف (ربما بقصد!) جملة من العناوين التي لم يتوقف رئيس الجمهورية طيلة الفترة السابقة عن مناقضتها ورفضها، من ذلك:
1- “سرعة العودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمان منتخب بدور بارز” وهو ما يعتبر جوابا مباشرا عن شعار “لا عودة إلى الوراء” الذي تمسك به الرئيس و الداعمون له إشارة منهم إلى ضرورة التخلي عن النظام البرلماني (أو شبهه) دون الإفصاح عن صيغته وإلى عدم استئناف العمل النيابي المعلق. بل نرى ان البيان قد حث على تنفيذ ذلك دون إبطاء وفي نطاق النظام الدستوري القائم.
2- “الحاجةالماسة لتعيين رئيس حكومة جديدة حتى يتسنى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس” وهو ما يتضمن تبنيا لصيغة النظام السياسي القائم وما يقتضيه من تعيين “رئيس حكومة” (وليس وزيرا أول للرئيس) يكون مسؤولا أمام مجلس نواب الشعب دون أية إشارة إلى دور”حصري” لرئيس الجمهورية أو إلى اعتماد آلية التدابير الاستثنائية الواردة بالفصل80 من الدستور.
3- التأكيد على ان تشكيل حكومة جديدة “من شأنه أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية و الانتخابية المقترحة” وهو ما يصطدم مع رفض رئيس الجمهورية لأي حوار (سواء صراحة أو ضمنا) و يستبعد التصورات الداعية إلى مبادرة الرئيس باستفتاء شعبي على خلاف ما ينص عليه الدستور.
4- الدعوة إلى” الالتزام العام باحترام الحقوق المدنية و السياسية… لجميع التونسيين وباحترام سيادة القانون” وهو ما يستبطن وجود تجاوزات لتلك الحقوق و مخالفات في تطبيق القانون وتعديات على حرية الأشخاص في ممارسة حقوقهم.
5- عدم الإشارة إلى الأوضاع الاستثنائية التي اعتمدها رئيس الجمهورية في اتخاذ التدابير المذكورة (خطر داهم، تعذر السير العادي لدواليب الدولة) واختيار الحديث عن أوضاع صعبة تعيشها البلاد (مثل التعبير عن ذلك بالأزمات الراهنة أو التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تواجه البلاد) إضافة إلى ما عبر عنه البيان بالمطالب المشروعة للشعب التونسي أو احتياجاته.
6- الدعوة – بصفة ضمنية ان لم تكن خفية – إلى ضرورة إسراع الرئيس قيس سعيد “في تحديد توجه واضح بشأن سبل المضي قدما بشكل يستجيب لاحتياجات الشعب التونسي” أي بصفة أكثر وضوحا ضبط ما اصطلح على تسميته بخارطة الطريق التي طالب بها الجميع ورفضها الرئيس أكثر من مرة.!
تأكيد لاستمرارية التعاون بين الدول السبع و نونس
أما من جانب العلاقات المشتركة بين الدول السبع وتونس، فقد أشار البيان على الأقل إلى التزامين إثنين يحكمان تلك العلاقات:
1- الأول يتعلق بتأكيد الالتزام بالشراكة مع تونس في تطوير هياكلها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. وهو ما يمثل تأكيدا لاستمرارية التعاون مع الدول السبع في مختلف المجالات.
2-الثاني يتعلق بان مجموعة السبع “ملتزمة بإبقاء القيم الديمقراطية المشتركة ذات أهمية محورية في علاقاتنا المستمرة” بمعنى أن الدول السبع مصممة على أن تحتل القيم الديمقراطية (و هي محل الجدال! ) قلب العلاقات بينها وبين بلادنا.
فهل نحن مازلنا في منطقة تلك القيم المشتركة؟! وماذا تخبئ الأيام لهذه البلاد ؟!
شارك رأيك