ليس غريبا أبدا عن البلاد التونسية أن تتعالى فيها الأصوات في كل مرة منددة أو حتى ممتعضة من انتهاك يلحق حقوق هذا أو ذاك من المواطنين. كيف لا و إرث عريق من الكفاح في سبيل الحقوق والحريات يتدفق في جسمها كما يتدفق الدم في العروق “صباحًا مساءً وقبل الصّباحِ وبعد المساءِ ويوم الأحد”ْ (كما يقول الشاعر الصغير أولاد أحمد). ولهذا لم تفتر حيوية الحقوقيين قبل وبعد ويوم 25 حويلية 2021. ولم يخفت صوتهم في هذه الفترة الحساسة التي تعيشها بلادنا.
بقلم فتحي الهمامي *
ففي هذه الظروف التي يتم فيها تقييد بعض الحقوق الإنسانية اندفع الحقوقيون يطالبون باحترام الحق في محاكمة عادلة، في حرية التنقل، في حماية المعطيات الشخصية، في حماية حق اللجوء، في التظاهر السلمي… وهي كغيرها من مبادىء حقوق الإنسان الكونية يجب أن تكفل من قبل الدولة لكل شخص وفي كل وقت.
المساندة النقدية لرئاسة الجمهورية
و بالمثل من واجب الهيئات الحقوقية والمهنية وغيرها التنبيه على السلطة في كل وقت وفي كل مكان في حال انتهاكها لهذه الحقوق وهو ما تفعله بصفة عامة.ولكن من الأهمية بمكان التذكير هنا أن السواد الأعظم من الحقوقيين ومن الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان قد عبروا، بخصوص قرارت رئيس الجمهورية ليوم 25 جويلية 2021 (تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإقالة الحكومة) عن تفهمهم لدوافعها كما تقبلوها في صيغة المساندة النقدية.
وأيضا دعوا – في نفس الوقت – إلى مراعاة مبادىء حقوق الإنسان خلال هذه الفترة الاستثنائية، وإلى تكريسها في كونيتها وشموليها ضمن المشروع الجديد. فهل في ذلك الموقف نكوصا عن التزاماتهم الحقوقية وتراجعا عنها؟ ليس خافيا هنا أن ذلك الموقف الجامع بين الالتزام الوطني والحقوقي وسام يوشح صدر المجتمع المدني و أَمَارَة على حس وطني عميق، ممزوج بحس مواطني مرهف.
فكأني به يقول: لا حرية للوطن دون حرية المواطن ولا حرية للمواطن دون حرية الوطن. أو كما قيل في الماضي: “من يخطط للتغيير دون حرية إنما يخطط للفشل” (شعار للحزب الشيوعي التونسي).
المشاركة في أنقاذ الوطن من منظومة الحكم الفاسدة والمتسلطة
ولهذا نرى جمعيات المجتمع المدني تلح على السلطة إشراكها الآن وهنا ومن موقع الاستقلالية في المجهود الوطني لإنقاذ الوطن والمواطن من منظومة الحكم الفاسدة والمتسلطة، وفي عملية تشييد الجديد. ولكنها تحرص في نفس الوقت على لعب دور الرقيب اليقظ على افعالها في مجال الحقوق والحريات وعلى تواصل شراكاتها الحقوقية الإيجابية مع شركائها في الخارج دون الوقوع في دور المحرض على بلادها كما يفعل الآن بعض المهتزة عروشهم.
ولكن من الطبيعي أن يحصل البعض من التعثر في تجسيم تلك المقاربة أو أن تفقد أحيانا القليل من توازنها نظرا لتعقيدات الواقع أو محاولات البعض (السلطة أو من داخل المجتمع المدني) الدفع في اتجاه القضية الوطنية أو في اتجاه القضية الحقوقية أي تغليب واحد على آخر. في حين انهما متكاملان متعاضدان.
المؤازرة الفئوية تفقد منظومة الحقوق من كل مصداقية
وقد لوحظ – مثلا – كيف يتحول الدفاع عن الحق ( الحق في التمتع بشروط المحاكمة العادلة لفائدة محام) إلى شكل من التضامن الأعمى المؤدي إلى شبه تعمية لما اقترفه هذا أو ذاك من شبهة تجاوز القانون، و إلى شكل من المؤازرة الفئوية المؤذية لحقوق الآخر ولحقوق المجتمع.
كما لوحظ أيضا كيف يتحول الدفاع عن الحق الوطني (حق البلاد في حماية أمنها الوطني وفي المحافظة على علاقة مميزة مع الجارة الجزائر) إلى شكل من التعدي على حقوق الشخص اللاجىء في بلادنا. فهذا وذاك يعدان حسب رأيي شططا في قول الحق الذي يقترب من التصفيق للباطل.
* ناشط حقوقي.
شارك رأيك