يبدو أن حزب العدالة والتنمية المغربي ذا التوجه الإسلامي لم يحقق هو الآخر ما يريده الشعب المغربي من تطلعات كبيرة نحو تحسين الواقع المعيشي، وإيجاد حلول واقعية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب، فالحزب الإسلامي الذي تولى السلطة منذ 10 سنوات سقط في الفخ كبقية الأحزاب الأخرى في الدول المجاورة ذات التوجه الإسلامي، فهل يعني ذلك أن هذه الأحزاب تفتقر إلى الخبرة السياسية اللازمة لتسيير أمور الدولة من الداخل أم أنها تتعرض لضغوطات داخلية وأخرى خارجية لإفشال مشروعها السياسي والمضي قُدما نحو إقصائها عن المشهد السياسي حتى لا تقدم نموذجا ناجحا في العمل السياسي؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
يبدو أيضا أن هذه الأحزاب التي تدافع عن الديمقراطية والتعدّدية في ظاهرها قد تعرّضت لنكسات في الانتخابات لأنها لم تعرف الطريق إلى الحكم فقد كانت تملك التعاطف الشعبي لأن عناصرها يتميزون عن غيرهم بنظافة اليد وحرصهم على خدمة الشعب بتفان وإخلاص، غير أنهم يفتقرون إلى امتلاك أدوات التعامل السياسي والخبرة المطلوبة لتسيير أمور الدولة وفق سياسات معينة يريدها الشعب معتقدة أنها تسيطر على الأمور في الواقع وتفرض هيبة الدولة رغم الخروقات الواضحة والوسائل الشرعية وغير الشرعية التي تتبعها، لذلك لم تنجح الأحزاب الإسلامية في استقطاب الشعوب عبر السياسة بعد أن ذاقت التجربة الأولى وفشلت في تحقيق مبتغاها وبقيت تدور في فلك الديمقراطية الجوفاء التي لم تجلب للشعوب تغييرا جوهريا في حياتها اليومية.
أحزاب أضاعت المبادىء وسقطت في فخاخ السلطة و إغراءاتها
كما أنها سقطت في فخاخ السلطة و إغراءاتها و صارت تبحث عن المصالح الحزبية الضيقة و الغنائم السهلة و فسدت و أفسدت و ضيعت مصالح شعوبها و أضاعت المبادىء و القيم و أضاعت الحاضر و المستقبل.
فالتغيير الذي ينشده الشعب في تونس والمغرب و الجزائر و ليبيا و موريتانيا لا يكون بالشعارات الجوفاء والوعود العرجاء والخُطب العصماء، وإنما يكون بالعمل الجاد وإيجاد حلول لمشاكل متراكمة عفى عليها الزمان، ويحصل من خلالها الشعب على ما يريده من السلطة، فمعنى الديمقراطية هو أن توفر للمواطن الوظيفة والسكن الملائم والصحة والتعليم وحرية التعبير، لا أن تشبعه بالديمقراطية وتختصرها في المعاملات السياسية و البيع و الشراء على رأس الملأ في برلمانات لم تعد لها أية مصداقية، وليس الهدف في النهاية الوصول إلى السلطة بقدر ما يكون الهدف الإصلاح والتغيير، وإنشاء منظومة اجتماعية واقتصادية تحفظ حقوق الشعب وتقدم نموذجا جديدا لإدارة البلاد في مختلف المجالات، فالشعب يرْقبُ من بعيد ويقدم رأيه ومقترحاته ويمكن في النهاية أن يعاقب الحزب الذي فكّر الشعب في يوم من الأيام أنه أفضل الموجودين على الساحة.
وعلى هذا تختلف نتائج الانتخابات من بلد إلى بلد وفق هذه التوجّهات وما تقدمه الأحزاب من حقائق على الأرض ترضي الناخبين، لأنهم ليسوا ورقة تلعب بها الأحزاب فتهتم بها وقت الانتخابات وترميها بعدئذ ولا تلقي لها بالا، فقد جرب التونسيون والمصريون و الجزائريون ذلك وها هم المغاربة اليوم يشعرون الشعور نفسه وكأن السيناريو يتكرّر في كل البلدان العربية، وكأن الفشل يتكرر في جميع هذه البلدان لسبب أو لآخر، ومما يعزز هذه النظرية ما وقع في مصر من انقلاب على الإسلاميين وما وقع في تونس من تغيير جوهري نتيجة انتفاضة الـ25 جويلية وما وقع في المغرب من نكسة كبيرة لحزب العدالة والتنمية أثناء الانتخابات التشريعية التي غيّرت وجه الحكم في المملكة وأقصت حزب العدالة والتنمية.
ردة فعل طبيعية من الناخب المغربي على خطيئة التطبيع مع إسرائيل
ومن سيئات هذا الحزب أنه وقع فريسة لعملية التطبيع مع إسرائيل في عهده، وهي اتفاقية منبوذة من الشعب المغربي والشعوب العربية كلها، فلا أظن أن الشعب في المغرب سيسامح هذا الحزب إلا بعد أن يكفّر عن ذنبه وإذا استمر على نهجه فسوف يلقى المصير نفسه الذي لقيه حزب الإخوان المسلمين في مصر وحزب حركة النهضة في تونس وكأن التاريخ يعيد نفسه في الدول التي وصل فيها إسلاميون إلى الحكم، فالتطبيع مع الصهاينة في نظر كثيرين جريمة ارتكبها الحزب الحاكم في المغرب ووافق عليها ولم يرفضها بل مضى في توطيد العلاقة مع إسرائيل وفتح سفارة لإسرائيل في الرباط وما حصل في انتخابات الثامن من سبتمبر في المغرب كان ردة فعل طبيعية لزلزال التطبيع مع إسرائيل.
أعتقد أن هذه الانتخابات درس بليغ لحزب العدالة والتنمية هذه المرة لضعف أدائه خلال الفترة الماضية بعد ترؤسهالحكومة في المغرب ليترك المجال لغيره في الفترة القادمة وليعيد حساباته جيدا مع نفسه ومع الشعب ويعترف بالخطأ الذي أوقع نفسه فيه فعاقبه المواطن المغربي على إثرها وأعتقد أننا سنشهد فصولا من السياسات والمحاسبات في الفترات المقبلة لهذه الأحزاب التي بانت حقيقتها وأنها لم تستطع أن تحقق للشعوب ما تصبو إليه من تغيير حقيقي وجوهري على الأرض.
شارك رأيك