لماذا لا يترجل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة منذ أكثر من أربعين سنة ؟هو سؤال متأخر جدا فلم يعد هناك فائدة في تداوله و البت فيه نظرا لحالة الوهن و التشقق في الحزب الإسلامي التونسي، و لكن يظل السؤال مطروحا : لماذا لا يستقيل الغنوشي!
بقلم توفيق زعفوري *
البحث في كتابات الرجل لا يفي بالغرض للإجابة على هذا السؤال، و لا حتى متابعة تصريحاته، و لكن البحث في سيرته السياسية يمكن أن يكون ذا فائدة و يكشف عن مكامن في شخصية الرجل، و لسائل أن يسأل لماذا لم تكن للغنوشي شجاعة سعد الدين العثماني، رئيس حزب العدالة و التنمية المغربي، و يستقيل!؟
من أسباب تشبث الغنوشي بالسلطة من خلال موقعه في البرلمان هو هاجس العودة القوي للسجون و المنافي و هو هاجس يتقوى بعد كل ضربة سياسية انتخابية في جسم الحركة، و هو هاجس لا يخفيه جماعة النهضة ممن جربوا المنفى و السجون، وهو هاجس لا يعكس عدم ثقة في القضاء بقدر ما يعكس جسامة الأخطاء و التجاوزات و أيضا الجرائم المرتكبة في حق الدولة و في حق التونسيين، فلم تكن هناك محاسبة عميقة حتى نعرف حجم الفساد طوال عشر سنوات.
فقدان السلطة يعني آليا فتح الملفات الخطيرة
لا يستقيل الغنوشي، ليس خوفا على تونس أو خوفا من حالة الفراغ، فللدولة رجال و نساء مستعدين لخدمتها متى طُلب منهم ذلك و لكنه لا يستقيل لأن فقدان السلطة يعني آليا فتح ملفاته المتعلقة بالتسفير و الأمن الموازي و الاغتيالات السياسية و التمويل الأجنبي و علاقاته بالدول الأجنبية، ناهيك عن ملفات أخرى في شخصه، يعني فتح الصندوق الأسود للنهضة و حلّها نهائيا كما حُلّ من قبل التجمع الدستوري الديمقراطي.
لا يستقيل الغنوشي و هو المتشبع بالسلطة حتى و لو كان على حساب النظام الداخلي للحركة و هو الذي تكتم على رأيه في الترشح لمدة طويلة طمعا في تهيئة الأجواء لمدة نيابية ثالثة، لكنه اضطر تحت ضغط مجلس الشورى و جماعة المائة إلى إعلان عدم ترشحه، بعدما أجّل مؤتمر الحركة الحادي عشر أكثر من مرة و الحال أنه تقنيا كان بالإمكان عقده حتى عن بعد كما يفعل الآن…
لا يستقيل الغنوشي و هو من أربع أربعة عقود على رأس الحركة، لأنه تشبع بالسلطة و وهجها و بريقها و يصعب العودة إلى كونه مواطن عادي أو مواطن ملاحق بقية حياته و ربما يقضي ما تبقى من بعد الثمانين في السجون…
خسر الغنوشي فرصا كثيرة في الخروج المشرف
لا يستقيل لأنه لا يأبه بالدولة و المؤسسات، ما يعنيه هو مصالح الحزب و مصالح جماعته و مصالحه الشخصية و علاقات الخارجية، بعد الخسائر الانتخابية المتتالية، لم يبق للنهضة ما يمكنها أن تناور به أو تأثر به في مجريات الأحداث و في السياسة، صار وزنها أخف من الريشة، بعدما تطاوست و تطاولت، صارت تتمنى أن تشارك في حوار ليس موجودا إلاّ في محاولاتها البائسة اليائسة للرجوع إلى الوراء.
حاول أغلب النهضاويين إنقاذ الحركة أكثر من مرة و بعثوا الرسائل تلو الأخرى و ناشدوا الشيخ ان يستقيل أو يتنحى أو يكون له دور المرشد و مع ذلك تعنت و أبى رغم تهاوي الإسلام السياسي في المنطقة من مصر إلى السودان إلى تونس ثم المغرب، و بقاء جيب صغير في الغرب الليبي في انتظار استكماله آخر هذا العام إن جرت الانتخابات بشفافية في ليبيا…
لن يستقيل حتى و إن توضح له مصير عمر حسن البشير أمام عينية لهذا لا أتوقع نهاية سياسية جيدة لهذا الرجل المتصابي سياسيا، بعدما خسر فرصا كثيرة في الخروج المشرف…
* محلل سياسي.
شارك رأيك