هل كان تغيير النظام السياسي مندرجا في التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية حسب مقتضيات الفصل 80 من الدستور التي أعلن عنها يوم 25 جويلية 2021 (الذي تمسك به الرئيس قيس سعيد في إسناد شرعية تحركه)؟ أم أننا نشهد فعلا “انسلاخا” لرئيس الجمهورية عن أية شرعية دستورية (حالية) والتلويح باستعادة مرحلة تاسيسية أخرى يتولى فيها استفتاء الشعب على تغيير النظام السياسي؟!
بقلم القاضي أحمد الرحموني
كالعادة، وحتى قبل25 جويلية 2021، تصدر الأخبار من رئاسة الجمهورية بطريقة “ملتوية”. وقد اختار الرئيس قيس سعيد هذه المرة “إذاعة” ملامح من خطته المقبلة من وراء البحار، عن طريق وكالة “رويترز” وعلى لسان مستشاره وليد الحجام، في تصريح لم يخض في التفاصيل.
وقد أفاد المستشار إن “ملامح خطة الرئيس في مراحلها الأخيرة ومن المتوقع الإعلان عنها رسميا في وقت قريب.” وللتذكير – حتى لاينسى المتابعون – كان رئيس الجمهورية قد أصدر في 23 أوت الفارط (أي بعد 29 يوما من إعلان قراراته الشهيرة) أمرا يقضي بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 إلى غاية إشعار آخر مع التأكيد ان رئيس الدولة سيتوجه في الأيام القادمة ببيان إلى الشعب التونسي (وهو ما لم يحصل منذ أكثر من نصف شهر!). مع الإشارة إلى أنه سبق قبل ذلك بمدة التصريح بأن الإعلان عن تركيبة الحكومة سيكون في الأيام القليلة القادمة.
أوضاع ملتبسة وإدارة منفردة وانتظارات لا آخر لها
وحتى لا نضيع في سلسلة الوعود المتتالية، يمكن أن نلاحظ انه لأول مرة يتم الإعلان (ولو بصفة شبه رسمية!) على وجود خطة (أو خارطة طريق) من المتوقع كشفها رسميا في وقت قريب! ذ
ومن الواضح أن التردد و الغموض وحتى الارتجال هي أقل الأوصاف التي يمكن أن نطلقها على التمشي الذي انتهجه الرئيس منذ 25 جويلية الفارط وان الأزمات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية لم تعد تحتمل أوضاعا ملتبسة وإدارة منفردة وانتظارات طويلة لا آخر لها!
ومن الكلمات المعدودة التي نطق بها المستشار علمنا ان هناك “ميلا إلى تعديل( تغيير) النظام السياسي الذي لا يمكن أن يتواصل، ربما(!) عبر استفتاء، وانه يفترض تعليق الدستور وإصدار نظام مؤقت للسلطات. والاستفتاء يستوجب وقتا وإعدادا لوجستيا.” وبين”الميل”و “ربما” يمكن أن نستنتج أن الأمر هو في جانب منه استمرار على سلوك “التارجح”، إلا ان الهدف الواضح هو تغيير النظام السياسي في استقلال تام عن الشرعية الدستورية.
تعليق الدستور يعني عمليا إلغاؤه
أما الآليات التي يقترحها رئيس الجمهورية فهي تعليق الدستور (أي عمليا إلغاؤه) وإصدار نظام مؤقت للسلطات واستفتاء الشعب (على تغيير النظام السياسي).
ولا يظهر من صيغة الإعلان عن هذه التوجهات ان الرئيس (و مستشاره) على وعي كامل بخطورة التداعيات المترتبة عن الانفصال بصفة مطلقة عن منظومة دستورية (بمبادئها وسلطاتها ومؤسساتها وآلياتها) استغرقت في التمهيد لها وإعدادها ثلاثة أعوام فضلا عن الأعوام التالية لإصدار دستور 27 جانفي 2014 التي كانت مرحلة ضرورية – لم تكتمل بعد- بقصد إرساء تلك المنظومة.!
ومهما كان، فهل كان تغيير النظام السياسي مندرجا في التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية حسب مقتضيات الفصل 80 من الدستور (الذي تمسك به الرئيس في إسناد شرعية تحركه)؟ أم أننا نشهد فعلا “انسلاخا” لرئيس الجمهورية عن أية شرعية دستورية (حالية) والتلويح باستعادة مرحلة تاسيسية أخرى يتولى فيها استفتاء الشعب على تغيير النظام السياسي؟!
25 جويلية “حرب على الفساد” أم استعادة للنظام الرئاسي
لا شك أن “انقلاب” الرئيس على “دستور ثورة الحرية والكرامة” الذي اقسم على احترامه وصياغة “دستور صغير” يكون بديلا مؤقتا عن الدستور الدائم سيفتح الباب على مصراعيه لصراعات وتحديات و توترات ومشاكل لم تكن حتى في اعتبار من ساند “شعبيا” الرئيس في اتخاذه للتدابير الاستثنائية.
فهل كان 25 جويلية “حربا على الفساد “ام استعادة لنظام رئاسي عصفت الثورة بقواعده!؟ وهل يمكن للرئيس أن يأمل أكثر مما له الآن من سلطات (أو صلاحيات) لإحداث التغييرات التي يرتئيها والاستجابة “لطموحات الشعب التونسي”؟! وكيف سيكون الاستفتاء ومن سيضمنه (وهو الخصم والحكم!)؟ وماذا سيتغير حقيقة بفعل هذه الخطة، أكثر من إشغال الناس الذين “أنهكوا” بالوعود والأماني بإعداد الاستفتاء وترديد الشعارات وتقديم آيات الشكر “للزعيم الملهم” و “القائد الفذ”؟!
شارك رأيك